للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد أحكمت القول فيه وفي تصريفه وجمعه في شرح كتاب الفصيح فيقول: لولا أن رمحي خانني حين أعملته في هذا الرجل فانكسر، لجعلت له نظيراً من أشراف القوم وزعمائهم حتى يصير معه كتوءمين. وخص الصالحين منهم لأنهم يتبجحون بقتل الملوك والرؤساء. فإن قيل: لم ذم الإجرار في الطعن وهم يحمدونه حتى عد انكسار الرمح خيانةً منه؟ قلت: الإجرار فعل الطاعن، وهو محمودٌ، وإنما ذم من الرمح ضعفه وقلة ثباته في العمل؛ وليس ذلك من الإجرار في شيء.

ولو أن في يمنى الكتيبة شدتي ... إذاً قامت العوجاء تبعث مأتما

كأنه خفى عليه مكان واتره فلم يعلم أهو في الميمنة أم في الميسرة، فأخذ يتلهف على ما فاته منه. والشدة: الحملة، فيقول: لو اتفقت حملتي في يمناها بدلاً من يسراها، لقامت أمه وقد ثكلته تهيج المأتم، وتبعث على النوح عليه النوائح، ولكن ذهاب مقامه عن علمي هو الذي نجاه مني. وجعلها عوجاء إما على طريق السب، كما قال:

كم عمةٌ لك يا جرير وخالةٌ ... فدعاء قد حلبت على عشاري

فيكون العوج في تلك لتفاوت خلقتها، وزوالها عن سنن الاستقامة، كالفدع في هذه. وإما أن يكون أراد أنها مضرورةٌ مجهودةٌ معوجة الوجه، مهزولةٌ. وإما أن يكون العوجاء لقباً لها، والمأتم؛ أصله في الضم والجمع.

وقال أيضاً:

إذا المهرة الشقراء أركب ظهرها ... فشب الإله الحرب بين القبائل

روى أركب ظهرها ". ويقال أركب المهر، إذا حان أن يركب واستصلح للإسراج والإلجام. وجعل الفعل للظهر على التوسع إذ كان موضع الركوب، ويكون أركب كما يقال أجز الخضر، وأحصد الزرع. ويروى: " أدرك ظهرها " المعنى بلغ حد الركوب والانتفاع به، وهذا كما يقال أدرك الثمر، إذا أمكن الانتفاع به. فيقول: إذا بلغ فرسي هذا الحد فهيج الله نار الحرب، وأقام سوق التغاور بين القبائل، حتى أتوصل بها إلى ما كنت أريده وأنتظره. وارتفاع المهرة بفعلٍ مضمرٍ بعد إذا، يكون الظاهر تفسيره.

<<  <   >  >>