للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أوردها التقريب والشد منهلا

وما أشبهه. وجذم كل شيءٍ: أصله؛ يقال جذمت الشيء، إذا قطعته. والجذمة: القطعة من الحبل وغيره.

حتى أتى علم الدهنا يواعسه ... والله يعلم بالصمان ما جشموا

الدهنا ببلاد تميمٍ. وقال الخليل: الدهنا موضعٌ رملٌ كله، والنسب إليه دهناويٌ. ومعنى يواعسه يسير في وعسائه، وهي الرملة اللينة، والسير فيها يصعب. ويقال: وعست المكان وعساً، إذا وطئته وطأ شديداً، ويسمى الأتر الوعس. وسمى ضربٌ من سير الإبل المواعسة من هذا. وحقيقة قوله " يواعسه " يواعس إليه أو فيه، أي يمد سيره إليه وفيه. والصمان: الأرض الصلبة، واحدته صمانةٌ، وموضع ما من قوله ما جشموا نصبٌ على المفعول من جشموا، فيقول: أوغل الركض حتى بلغ جبال الدهنا، مواعساً في رمله، والله يعلم أي شيءٍ تكلفه هو وأصحابه من السير في الصمان. وموضع يواعسه نصبٌ على الحال، ويجوز أن يكون موضع ما من قوله ما جشموا نصباً على المفعول من فعل دل عليه، والله أعلم. ومثله في القرآن: " الله أعلم حيث يجعل رسالاته ". وقد تقدم القول فيه.

حتى انتهوا لمياه الجوف ظاهرةً ... ما لم تسر قبلهم عادٌ ولا إرم

الجوف وادٍ. وظاهرةً انتصب على أنه ظرفٌ، ويقال: ورد الماء ظاهرة، إذ ورد نصف النهار؛ واشتقاقه من الظهيرة. وأظهرنا: صرنا في الظهيرة: وقد جعل اسماً لهذا الظمء. وقوله " ما لم يسر " أراد سيراً لم يسره قبلهم أحدٌ، أو انتهاءً لم يقدر عليه إنسانٌ. وعلى هذا يكون ما في موضع النصب على أنه مصدرٌ مما دل عليه حتى انتهوا، وتلخيص الكلام: حتى ساروا إلى مياه هذا الوادي نصف النهار سيراً لم يسر مثله واحدةٌ من هاتين الأمتين، والمعنى أنهم حملهم الرعب الذي تداخلهم، والاجتهاد في الخلاص من الهزيمة المستولية عليهم، على أن يقطعوا ما بين المكانين المذكورين في يومٍ وليلةٍ، لأنهم كانوا في اليوم الأول بالصمان، وفي اليوم الثاني بالدهنا، وذلك شاقٌ مستبعدٌ وقوعه.

<<  <   >  >>