للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأكثر منا يافعاً يبتغي العلى ... يضارب قرناً دارعاً وهو حاسر

في هذا أيضاً حذفٌ وإيجازٌ كما كان في البيت الأول، كأنه قال: ولم أر قوماً كان أكثر شاباً يطلب الصيت والذكر، ويعف عن الغنيمة في الروع، فيضارب نظيراً له في البأس مستلئماً، وهو ينازله حاسراً متجرداً - من قومنا. وقوله وهو حاسر حالٌ للمضمر في يضارب، ويضارب ويبتغى جميعاً صفتان لقوله يافعاً، وعلى هذا قد حذف حرف العطف من قوله يضارب، لأن الجمل حقها إذا وصف بها النكرات أن ينسق بعضها على بعض بحرف العطف. ويجوز أن يكون يضارب في موضع الحال مما في يبتغي. واليافع: الشاب المتناهي الشباب، والفعل منه أيفع الغلام وتيفع. وباب يفع مقصورٌ على الارتفاع والإشراف في الجبل والأرض وغيرهما. ويقال غلامٌ يفاعٌ ويفعهٌ ويافعٌ، ولا يقال موفعٌ. وجعل القرن دارعاً وصاحبه حاسراً، تفضيلاً له عليه. وقد يوصف الممدوح بلبس الدرع ويراد به حزامته وتحرزه، كما يوصف بضده ويراد وجرأته.

فما كلت الأيدي ولا انأطر لقنا ... ولا عثرت منا الجدود العواثر

نبه بهذا الكلام على تساعد أحوالهم فيما ترددوا فيه، وتناصر أسبابهم عندما لابسوه ونهضوا له. وإمكان الفرص فيما يقرب التمكن من العدو، وارتفاع العلل من موجبات القهر والعلو. فيقول: قويت أيدي المقاتلين منا فلم يمسها لغوبٌ، ووفت الأسلحة بمواعيدها من البقاء فلم يخن رمحٌ منها بانكسارٍ وفتورٍ، ولا سيفٌ بنبوٍ وكلول، ولا خذلتنا جدودنا فمالت إلى تعثرٍ أو سقوطٍ. وإذا توازرت هذه الأسباب وتعاونت، فحصل الجد والجد، وانزاحت العلل في الدواعي والآلات، كان الكمال في نيل المراد. وقوله انأطر في معنى انعطف وتثنى. يقال أطرته فانأطر، ومنه إطار الباب والمنخل. وقوله ولا عثرت منا الجدود العواثر، مثل قول الآخر:

ولا ترى الضب بها ينجحر

لأنه لم يثبت لأنفسهم جدوداً من شأنها أن تزل وتعثر ثم نفى ذلك عنها في ذلك اليوم، بل أراد أنهم لا جدود لهم بهذه الصفة، كما أن الشاعر الآخر أراد لا ضب فينجحر. ومعنى الكلام: كان الغلب لنا وتعثرت جدود غيرنا.

<<  <   >  >>