للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: وفي الغزو ما يلقى العدو ما صلةٌ، والمعنى: وفي العز يحتاج إلى الصديق المخالص، إذ كان إنما يلقى فيه العدو المباغض. فهذا وجهٌ. ويجوز أن يكون المعنى: وفي الغزو قد يلقى العدو المباغض فكيف الصديق المواد. والأول أشبه وأجود.

ويترك ذا البأو الشديد كأنه ... من الذل والبغضاء شهباء ماخض

أخذ يبين مساس الحاجة في الغزو إلى ائتلاف الأوداء، وتعاون الأشداء، فيقول: وإذ كان الغزو يترك المتكبر الذاهب بنفسه مذاهب ذوي الجبرية والعز، وكأنه مما لزمه من الذل والبغض للخلاف والحرب، وتناسى الاعتلاء والقهر، ناقةٌ شهباء أثر وجع الولادة فيها فضعفت وسقطت. وإنما خص الشهباء بالذكر لأنها أنعم الإبل وأرقها، وأقلها صبراً وأضعفها.

والمخاض: وجع الولادة، ويستعمل في أنواع الحيوان. والطلق لا يكون إلا في النساء.

فسائل هداك الله أي بني أبٍ ... من الناس يسعى سعيناً ويقارض

أخذ يستعطف الصديق الذي شكاه، ويستميل بقلبه، فقال: سل أرشدك الله للخير وصلة الرحم، وعدل بك عن سبل الضلال والقطيعة: أي قومٍ من الناس يسعى في منع قوى التشابك من الانبتات، وصون عرى التواصل عن الانفصام، سعينا؛ أو يقارض ذوي القربات، وإخوان الوداد والمصافاة، في حالتي السراء والضراء، مقارضدنا؛ ثم توفر علينا بمثل ما يقتضيه الخبرة والمعرفة، وعلى ما يبعث عليه البحث والمساءلة.

نقارضك الأموال والود بيننا ... كأن القلوب راضها لك رائض

في الكلام إلمامٌ بالعتب، وإظهارٌ للاستجفاء؛ لأنه أخذ يبين تمام ميلهم إله، وحسن احتمالهم منه، وأنهم على جفائه لا يمنعونه مالاً، ولا يمذقون له وداً، وكأن قلوبهم جبلت على حبه، وأشربت مودته، فمتى رامت سلوةً أو نبواً أديرت إلى عادته الأولى، وعطفت على محبته القدمى.

كفى بالقبور صارماً لو رعيته ... ولكن ما أعلنت بادٍ وخافض

قوله بالقبور في موضع الرفع على أن يكون فاعل كفى، وانتصب صارماً على الحال أو التمييز. ولما كان القصد بذكر القبور إلى ما يؤدي إليها، وهو الأجل

<<  <   >  >>