للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قوله دون المال تعلق بأظنك، ولا يجوز أن يتعلق بقوله جئت، ولا تبتغي، لأن ذو يطلب من الصلة ما يطلبه الذي وإذا كان كذلك فما في صلته لا يعمل فيما قبله. وقال ذو جئت وكان الأجود أن يقول: ذو جاء يبتغي، لأنه أجري مجرى الذي، فكما جوز أن يقال أنت الذي فعلت كذا، و:

أنا الذي سمتن أمي حيدره

جوز في ذو أيضاً، لأن المراد به المخاطب. والمال في الأكثر يطلقونه على الإبل، على هذا قولهم: المال في الرعي. والشاعر قصده في الكلام إلى التهكم والسخرية، وقد خلط به التوعد والاستهانة، لذلك قال أظنك. وقوله ذو جئت في موضع المفعول الثاني وتبتغي في موضع الحال، ومفعوله حذف. والمعنى أحسبك الذي جاء دون المال تبتغي صدقاته، سترى ما أعد لك من سيوفٍ تنتزع الأرواح والمهج. فإن قيل: كيف استجاز تكرير معنىً واحدٍ في بيتين على تقارب بينهما، وهلا اكتفى بقوله " هلم فإن المشرفي الفرائض "؟ قلت: إن قوله أظنك دون المال ذو جئت تبتغي، بما دخله من التهكم والوعيد، وتكشف فيه من الغرض المقصود، صار كأنه أدى غير ما أداه قوله هلم فإن المشرفي الفرائض. ومثله قول عيقمة بن عبدة:

فإن تسألوني بالنساء فإنني ... بصيرٌ بأدواء النساء طبيب

إذا شاب رأس المرء أو قل ماله ... فليس له في ودهن نصيب

يردن ثراء المال حيث علمنه ... وشرخ الشباب عندهن عجيب

ألا ترى أنه لم ير المعنى متكرراً في البيتين، لما كان أحدهما يشتمل من الاستيفاء والبيان على ما لم يشتمل عليه الآخر.

[وقال وضاح بن إسماعيل]

صبا قلبي ومال إليك ميلاً ... وأرقني خيالك يا أثيلا

يمانيةٌ تلم بنا فتبدي ... دقيق محاسنٍ وتكن غيلا

<<  <   >  >>