للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مضى صاحبي واستقبل الدهر صرعتي ... ولا بد أن ألقى حمامي فأصرعا

هذا في طريقة قوله:

فغبرت بعدهم بعيشٍ ناصبٍ ... وإخال أني لاحقٌ مستتبع

ومعنى استقبل الدهر صرعتي توطينٌ للنفس على أنها على أنها بمدرجة الدهر، فهو ينتظر إيقاعه بها وكأن قد. ومعنى استقبل الدهر صرعتي، أي إماتتي، كما يقال لكل جنبٍ مصرعٌ. ومعنى لا بد: لا محالة، وهو من البدد: الاتساع والتفريج. كأنه تضايق الأمر فيه فلا اتساع معه، ويقال: لا بد من أن يكون كذا، ولا بد أن يكون كذا، وأن يحذف حرف الجر معه كثيرا.

وقال ابن المقفع يرثي يحيى بن زيادٍ

رزئنا أبا عمروٍ ولا حي مثله ... فلله ريب الحادثات بمن وقع

يقول: أصبنا بأبي عمرو، وهو مفقود النظير، معدوم الشبيه. فموضع ولا حي مثله نصبٌ على الحال، والعامل فيه رزينا. ثم قال على وجه التعجب: لله ريب الدهر بأي رجل وقع. فقوله بمن وقع منقطع مما قبله وإن كان فاعل وقع الضمير العائد إلى الريب المستكن، لأن قوله لله ريب الحادثات كلام مستقلٌ بنفسه فيما يفيد من إكبار الشان وتفظيع الحال. وإضافة الشيء إلى الله عز وجل تفخيمٌ وتعظيم، على ذلك قولهم: بيت الله - وإن كان الساجد لله - ولله دره. وقوله بمن وقع مستقلٌ بنفسه أيضاً وفيه استعجاب من أن يكون الدهر يعرض لمثله أو يهم به مع فخامة أمره، وجلالة نفسه. ولو قال: وبمن وقع، فزاد واواً، لكان أكشف في المعنى المراد به. ولا يمتنع أن يكون بمن وقع في موضع الحال، كأنه قال: لله ريب الحادثات واقعاً

<<  <   >  >>