للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشدائد، وأعول على حسن دفاعك في النوائب، وأستكن بظلك، وأتحصن بتمنعك، فغادرتني بارزاً للآفات، ومعرضاً للحوادث والنكايات. لا معقل لي مما يدهم، ولا ملاذ عند ما يهجم. والضاحي: البارز للشمس، والفعل منه ضحى يضحى؛ وقد أتى بهما في البيت. والأجرد: الأملس. يضرب ذلك مثلاً لكونه معوراً لا واقي له ولا ساتر، ولا محامي ولا مدافع.

قد كنت ذات حميةً ما عشت لي ... أمشي البراز وكنت أنت جناحي

فاليوم أخضع للذليل وأتقى ... منه وأدفع ظالمي بالراح

قوله قد كنت ذات حميةٍ يقال حميت من الشيء أحمي حميةً، أي أنفت وغضبت. ورجل حمى الأنف: لا يحتمل الضيم، وحمى أنفه من كذا. والمعنى: كنت في حياتك آنف مما أسام من الضيم فأتسخطه، وتتسع المقدرة لدفعه والإباء منه، والآن صار بدل ذلك السخط الرضا، وبإزاء ذلك الانتقام الاستسلام. وما عشت في موضع الظرف، أراد مدة عيشك لي. وقوله أمشي البراز البراز: المكان الفضاء من الأرض. وإذا خرج إنسانٌ إلى ذلك الموضع قيل برز. ومن هذا قولهم: برز على أقرانه، أي صار في البراز ظهوراً عليهم واقتداراً. وكما تصرفوا في هذا على ما ترى تصرفوا في الظاهرة، وهي الضاحية العالية، فقيل: ظهر فلانٌ على فلانٍ، أي علاه، وأظهره الله عليه، وفي القرآن: " ليظهره على الدين كله ". وأصله أمشى في البراز، فحذف الجار ووصل الفعل فعمل. والمعنى: كنت لا أستتر ولا أكتتم تهيباً وتخوفاً من شيء. وقوله وكنت أنت جناحي فالجناح من الطائر والإنسان: يداه. والمعنى: كنت أطير بقوتك، وأنهض في الأمور بصولتك، وأبطش بالأعداء بيدك وأيدك.

وقوله فاليوم أخضع للذليل أراد باليوم متصل وقته من الحال والاستقبال، والمعنى: صرت من طلب السلامة على الدهر وأهله بحيث يطمع في الذليل، ويستلين جانبي المهين، فأتقي ذا الشوكة ومن لا شوكة له، وأحذر من يخشى كيده ومن لا كيد له. وقوله وأدفع ظالمي بالراح يريد أدفعه بألين ما أجد السبيل إليه، لا خشونة لي في قولي ولا مزاحمة في ركني، ولا اعتراض شديداً مني في اهتضامه لي، ولا محاجة قويةً على جداله إياي، فعل من لا حد له ولا حديدة، ولا عدد ولا عتيدة، ولا حمى ولا حمية.

<<  <   >  >>