للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يصفه ببراعته وتكامل محاسنه، واستتمام آلات الرياسة فيه، فكأنه لا يستحسن من الفتيان شيءٌ خَلقا ولا خُلقُا إلا وقد كان حصل له، واجتمع فيه. وقد تقدم القول في حذف النون من لم يك.

سأعزي النفس إذ ... لم تجب من سألك

إن أمراً فادحاً ... عن جوابي شغلك

طالما قد نلت في ... غير كدٍ أمك

قوله سأعزي النفس أي سأصبرها، إذ كنت مع السائلين - وإن اختلفوا - على حدٍ واحدٍ في ترك مجاوبتهم، فعممت ولم تخص. وهذا التعزي الذي أشار إليه ليس لتسلٍ عن المفقود، ولا لتناسٍ منه، ولكنه طيب النفس بتشارك الناس في إمساكه عن إجابتهم.

وقوله: إن أمراً فادحاً اكتسب أمرٌ وهو نكرةٌ من النعت الذي تبعه بعض الاختصاص، فلذلك صلح الابتداء به حتى دخل إن عليه. ألا ترى أن فائدته مع إبهامه كاملةٌ في المراد، والمعنى: إن عظيماً من الأمور صرفك عن رسمك ودأبك في مباسطتي ومباثتي. ولأن الكلام قد يحمل على المعنى فيما يستفاد منه، فكأنه قال: ما صرفك وشغلك عن جوابي إلا أمرٌ عظيم فادح؛ إذ كانت العادة قدمت منك في حسن التوفر علي والإقبال، لتوجه خطابي نحوك.

وقوله:

طالما قد نلت في ... غير كدٍ أملك

إيذانٌ بأنه نال من الدنيا كثيراً من إرادته وأمانيه، حين هبت أرواحه، وساعدته أيامه وحالاته، وأنه طالما كان يتحصل له المباغي بلا كدٍ لإقبال الدنيا عليه، ويتسهل له المطالب لاقتران المناجح بما لديه أو إليه، وفي ذلك بعض التسلي للجازعين له، والمتوجعين لفنائه.

<<  <   >  >>