للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من نزعت إليه نزاعاً، أي حننت. فيقول: المقيم في موضعه رفض الترحال، والمسافر عاد إلى مقره يأساً من كسب المال.

فاذهب كما ذهبت غوادي مزنةٍ ... أثنى عليها السهل والأوعار

سلكت بك العرب السبيل إلى العلى ... حتى إذا سبق الردى بك حاروا

يقول: اذهب لوجهك وآلاؤك منشورةٌ، وصنائعك محمودةٌ مشكورة، وآثارك كآثار السحب وقد أغاثت الناس بأمطارها، فإذا أقلعت ترى أهل السهل والوعر يثنون عليها. والغوادي: السحابات التي تنشأ غدوةً، وكأنه أراد أقطاعاً منها، وأضافها إلى المزنة لأنه منها تجمعتن فكملت مزنةً. ويجوز أن يكون المراد بالغوادي أمطاراً تصوب غدوةً، وأضافها إلى المزنة.

وقوله سلكت بك العرب السبيل إلى العلى يريد أنك هادي العرب ودليلهم في اكتساب المعالي وابتناء المكارم، فأنت قائدهم وهم يطؤون عقبك، ويقتدرون بك، حتى إذا فقدوا إرشادك تحيروا فلم يهتدوا، وضلوا فلم يرشدوا. ومعنى سبق الردى بك كأنهم كانوا يتشبثون به ويلزمونه حافظين بقاءه فجاء الردى بطلبه ويختاره، فانتهز الفلاصة في السبق به واجتذابه من أيديهم، والفوز به من دونهم. ومفعول سبق محذوف، كأنه قال سبقهم الردى بك.

وقال حنشٌ في يعقوب بن داود

يعقوب لا تبعد وجنبت الردى ... فلنبكين زمانك الرطب الثري

ولئن تعهدك البلاء بنفسه ... فلقيته إن الكريم لبتلي

لم يرضى بالجري على عادة الناس في قولهم عند المصاب: لا تبعد، حتى زاد عليه وجنبت الردى ليكون الكلام أدل على التوجع، وأوفى بالتنبيه على حاجة الناس إلى بقاء المتوفي. وقوله فلنبكين زمانك الرطب الثري يشير فيه إلى إحسانه الضافي، ومعروفه الواسع الوافي، وأنه كان للناس كالحيا يحيى الأرض وسكانها، فكان ثرى

<<  <   >  >>