للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلمن أقول إذا تلم ملمةٌ ... أرني برأيك أم إلى من أفزع

فليأتين عليك يومٌ مرةً ... يبكي عليك مقنعاً لا تسمع

قوله فلمن أقول إذا تلم ملمة كلام من سلبه القدر إخوانه، وقص جناحه فأعياه طيرانه، فمتى طرقه حادثٌ أو ألم بساحته من الدهر نائبٌ لم يكن له من يرجع إليه مستشيراً، أو يقتبس من نور رأيه مستضيئاً، ولا وجد من يستدفع به البلاء أو يستعديه على مهتضمه، فيصرف بقوته عن نفسه العداء فيبقى أسير الغبر، وقيذ الفكر. ومعنى أرني برأيك أرشدني برأيك، واهدني بنظرك. وقد حذف المفعول الثاني لقوله أرني، والمراد أرني الصواب أو وجه الأمر برأيك. ويقال: رأيت الشيء بعيني رؤيةً ورأيا، ورأيته بقلبي رأيا لا غير. فأما قول زهير:

فقال أميرى ما ترىرأى ما ترى ... أنختله عن نفسه أم نصاوله

فالمراد به ما ترى رأى أي الأمرين ترى. فما ترى سؤالٌ عن جملة الرأي ورأى ما ترى سؤالٌ على طريق التفصيل، وقد بينه بقوله أنختله أم نصاوله. وقوله إلى من أفزع يقال فزعت إلى فلان أفزع، إذا التجأت إليه؛ وهو لنا مفزع، أي نفزع إليه. وفي ضده يقال: هو لنا مفزعةٌ، أي نفزع منه. ويستوي فيه الواحد والتثنية والجمع، والمذكر والمؤنث.

وقوله فليأتين عليك يومٌ مرةً خطابٌ لنفسه. وقد ألم بقول الآخر:

وإخال أني لاحقٌ مستتبع

يريد أن أجله قد قرب ولا بقاء للروح على ما يمارسه ويزاوله. وأشاد بقوله يومٌ إلى وقت النازلة. ويقال فعل كذا مراً ومرين كما تقول مرة ومرتين، ومقنعاً انتصب على الحال من قوله يبكي عليك ومعناه مسجى مستور الوجه. ولا تسمع في موضع الصفة لقوله مقنعاً، أي مقنعا غير سامع عولة الباكي. وليأتين جواب يمينٍ مضمرة، ويبكي عليك في موضع الصفة ليومٌ، أي يومٌ يبكي عليك فيه، أو يبكاه

<<  <   >  >>