للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شيء. على ذلك قوله تداعى البناء وما أشبهه. وقوله فأياً ما أتيت أياً انتصب بأتيت، وما صلة، ومن شرط أي أن يجيء مضافاً، فأفرده هنا لما كان المضاف إليه معلوماً. على ذلك قوله تعالى: " أيا ما تدعوا فله الاسماء الحسنى ". ألا ترى أن المعنى أي الأسماء تدعوا. ولما كان السير منها أحب إليه علقه بما وسع أمده فقال: ما بدا لك، ولم يشترط في الإقامة شيئاً. وقوله فعن تقال، عن تقتضي فعلاً مضمرا، كأنه قال: أي الأمرين أتيت أتيت عن تقال مني، فحذف الثاني، لأن الأول يدل عليه. وحذف مني أيضاُ لأن في الكلام عليه دليلاً. وما بدا لك في موضع الظرف. وبدا هذا من البدوك الظهور، وليس من البداء: التحول، لأن المعنى سيري مدة ظهور السير في رأيك. ففاعل بدا السير، ودل عليه سيري لأن الفعل يدل على مصدره كما أن المصدر يدل على فعله.

فكيف تروعني امرأة ببين ... حياتي بعد فارس ذي طلال

وبعد أبي ربيعة عبد عمرو ... ومسعودد وبعد أبي هلال

أصابتهم حميدين المنايا ... فدى عمي لمصبحهم وخالي

أولئك لو جزعت لهم لكانوا ... أعز علي من أهلي ومالي

أخذ يتعجب من نفسه وممن يظن به أنه يقف موقف من يفزعه امرأة بفراق، فقال: كيف يكون ذلك مدة حياتي بعد أن فجعت بفارس هذا الفرس. وذو طلال كان اسم فرسه، وحياتي انتصب على الظرف، أي مدة حياتي؛ لأنه حذف اسم الزمان معه. ثم عدد بعد ذكر هذا الفارس من فجع به من عشيرته حالاً بعد حال، ووقتاً بعد وقت، ذكر أبا ربيعة ومسعوداً وأبا هلال، وهؤلاء كانوا حماة العشيرة وفرسان الكتيبة، فلهذا خصهم بالذكر وشهر نفسه بالتوجع لهم. ولو كانوا على غير هذه الصفة لما استحسن لنفسه الاعتداد بهم في الحالة التي ذكرها.

وقوله أصابتهم حميدين المنايا حميدين انتصب على الحال، يريد أن أيامهم سلمت من شوب العار، وقباحة الذكر، وأنهم أصيبوا وهم مشكورون محمودون بلسان القريب والبعيد، والأجنبي والنسيب. وقوله فدى عمي لمصبحهم وخالي كلام منقطع مما قبله، وهو كالالتفات. كأنه أقبل على مخاطب فقال: أفدى ممساهم ومصبحهم بأطرافي العمومة والخوؤلة. وذكر المصبح وكأن الممسي معه منوي، لأن طرفي النهار مذكوران في الغارة والضيافة وما يشبههما من الإساءة والإحسان. وقيل

<<  <   >  >>