للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله (وقد فاضت بعيني عبرة) اعتراض بين الفعل ومعموله. وقوله (أرى الأرض تبقى) متصل بقوله (وقد فاضت بعيني عبرة) ، وهو من جملة الاعتراض. ومفعول أقول البيت الثاني. فيريد: أقول وقد اتصل البكاء مني، وسالت العبرات من عيني، إذ كنت أرى الأرض باقية، والإخوان الخلص ذاهبة، وأنا لا أملك شيئاً: أخلاى إني مغيظ مغلوب، مأخوذ عن عزائي لما أتاه الدهر، ولكني إذا فكرت وكان سبب اخترامكم الموت الذي تتساوى فيه الاقدام فلا يبقى على شريف ولا وضيع، ولا صغير ولا كبير، صدني ذلك عن العتب، لأن الموت لا معتب علي؛ ولو كان الجاني فيكم، والسالب لكم غير الموت لعتبت على الدهر، وقلت وأكترث في موضع القول، وانتصفت وأسرفت في موضع الفعل. ويقال عتبته فأعتب، أي لمته فأرضى. ويروي (أخلاى) بالقصر وإثبات ياء الإضافة و (أخلا) بالمد وحذف ياء الإضافة، وهذا أجود.

[وقالت امراة]

ألا فاقصرى من دمع عينيك لن ترى ... أباً مثله تنمى إليه المفاخر

وقد علم الأقوام أن بناته ... صوادق إذ يندبنه وقواصر

تقول متسلية ورافعة الطمع من أن يكون الجزع يرد فائتاً، فقالت كفى من دمع عينيك، ونهنهي عبراتك، فإنك لن ترى من تعتاضيه من أبيك الذي كان إليه ينتمي المفاخر. ومعنى (تنمى إليه المفاخر) أنه غاية المفاخر، فهي إليه تنتمي. ويروى: (ينمو إليه المفاخر) بضم الميم، والمعنى يرتقى إليه المفاخر إذا نافر خصمه وجاذبه.

وقولها (وقد علم الأقوام أن بناته صوادق) استشهدت بطوائف الأقوام على اختلافها، وذكرت أنهم قد علموا أن ينات هذا المتوفى فيما ينبدبن به أباهن ويذكرنه من فضائله وإفضاله، آتيات بالصدق غير الكذب، وعاجزات عن بلوغ الغاية التي يستحقها أبوهن المرثى، فإن القول لا يحيط بحده، والوصف لا ينظم كنه حقه.

<<  <   >  >>