للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وطريقتهم في استعارتها وجعلها مثلاً. وقوله (وما حالة إلا ستصرف حالها) يريد: وما خطه إلا ستحول صورتها إلى صورة أخرى ما بقيت وأمهلت، ثم من بعد سوف تزول فلا تبقى، ونحول عن المعهود فتفنى. والمعنى: إن شيئاً من أسباب الدنيا وأعراضها لا يدوم على حد، ولا يستمر على طريق ووجه، لكن يسلط عليه التغير والتبدل، فيزداد عما يكون عليه، أو يتراجع هذا إذا سلم، ومن بعد سوف يكون مغيره مهلكة، ومدبرة مدمرة.

وأنشد أيضاً:

وقاسمني دهري بنى بشطره ... فلما تقضى شطره عاد في شطري

ألا ليت أمي لم تلدني وليتني ... سبقتك إذ كنا إلى غاية نجري

كانت رواية الناس برهة (وقاسمني دهري بني بشطره) مضافاً، (فلما تقضى شطره) بالضاد، وارتفاع الشطر به، فجاء شيخ لنا فرواه:

بشطرة فلما تقصى شطره

وكان يقول: هذه ضالة أنا وجدتها، وهو مما حكاه أبو زيد من قولهم: بنو فلان شطرة، إذا كان ذكورهم بعدد إناثهم. يريد: ناصفني. ومعنى (تقصى شطره) بلغ أقصاه واستوفاه. والذي أختاره أن يروى (بشطره) على الإضافة. ومن الظاهر أن تقصى أحسن من تقضى في اللفظ، وأبلغ في المعنى. ومعنى بشطره كأن الدهر ادعى أنه قسيمة في بنيه وأن له منهم الشطر، وهو النصف، فقاسمه على ذلك، فلما استوفى حظه أقبل بأخذ من نصيبه الذي كان أفر له به، وساهمه عليه، وإنما اخترت بشطره على (شطرة) ، لأن شطرة لم يستعمل في الانصباء والسهم، والشطر في النصف معروف ومستعمل، ومنه شاة شطور، إذا يبس أحد ضرعيها. وكذلك قولهم: حلب الدهر أشطرة، إذا جرب الأمور، وأصله من الحلب، أي حلب شطراً من الخير وشطراً من الشر، حتى تبصر وعرف مواضع النجاة من مواضيع العطب والهلكة.

<<  <   >  >>