للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[وقال عمرو بن قمية]

يالهف نفسي على الشباب ولم ... أفقد به إذ فقدته أمما

إذ أسحب الريط والمروط إلى ... أدنى تجاري وأنفض اللمما

لاتغبط المرء أن يقال له ... أضحى فلان لعمره حكما

إن سره طول عيشه فلقد ... أضحى على الوجه طول ما سلما

يتحسر على ما فاته من الشباب وحسن أيامه، ونضارة العيش به، فقال: يا حسرة نفسي على مقتضى الشباب ومتوليه، فإن ما فاتني منه لم أفارق به أمراً قريباً، وشيئاً هيناً، لكني فقدت به صحة بدني، وروعة وجهي، وطيب عيشي، وقوة روحي، حين كنت أجر ريطتي (وهو الإزار الذي ليس بملفق) ومروطي (وهو جمع مرط، وهو ملحفة يؤتزر بها) إلى أقرب الخمارين إلى وأنفض شعر رأسي إعجاباً به، واستحسانا له، وطرباً يداخلني في جميع أسبابي معه. ثم قال مزرياً بالشيب وبما يكتسبه المرء اذا علاه، من إكبار الناس له، وتقديمهم في المجالس إياه، ومن الرجوع إلى قوله، واستشارتهم فيما يعز من الخطوب رأيه، فقال: لاتغبطن الرجل ولا ترمقن ولاتجعلن محسداً اذا قيل فيه: صار فلان حكماً في عشيرته لكثرة تجاربه، وامتداد عمره، ودوام مزاولته للأمور، واتصال لقائه للناس وممارسته لهم وفيهم، لأنه إن سره امتداد عمره، وتنفس عيشه فلقد ظهر في نفسه من ضعف وانحناء، وعلى وجهه من ذبول وسهوم إلى غيرها مما يدل على طول سلامته التي هي الداء الذي لادواء له. ومثل هذا قول الشاعر:

وحسبك داءً أن تصح وتسلما

وقول الآخر:

فدعوت ربي بالسلامة جاهداً ... ليصحني فإذا السلامة داء

<<  <   >  >>