للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله (الهراوي) جمع هراوة، ووزنه فعائل هرائي، لأن فعيلة وفعالة يشتركان في هذا البناء من التكسير، تقول: صحيفة وصحائف، ورسالة ورسائل، إلا أنهم فروا من الكسرة وبعدها ياء إلى الفتحة، فصار هراءا، فاجتمع همزة وألفان فكأنه قد اجتمع ثلاث ألفات أو ثلاث همزات، فأبدلوا من الهمزة واواً فصار هراوى. فإن قيل: هلا أبدلت منه الياء، كما فعلته في مطايا وما أشبهها؟ قلت: أرادوا أن يظهر في الواو كما ظهر في الواحد ليتميز بنات الياء عن بنات الواو.

فإن أك في شراركم قليلاً ... فإني في خياركم كثير

يقول: إن كثرني شراركم وأراذلكم، لوفور عددهم وكوني واحداً فيهم، فإني أكثر خياركم وأغلبهم لقلتهم وكثرتي، وذلك أني أنوب عن جماعة إذا عد الأخابر. ويجوز أن يريد أنه لاخيار لكم، فأنا وإن كنت واحداً من حيث العدد، كثير إذا طلب الخيار منكم، إذ لم يكن لكم خيار. وقد مضى القول في غير موضع في حذف النون من لم أك وإن أك.

وقال بعضهم:

أعاذل ماعمري وهل لي وقد أتت ... لداتي على خمس وستين من عمري

رأيت أخا الدنيا وإن كان خافضاً ... أخاً سفر يسرى به وهو لايدري

مقيمين في دار نروح ونغتدي ... بلا أهبة الثاوي المقيم ولا السفر

وقوله (ما عمري) استفهام على طريق التحقير والاستقلال، فكأنه العاذلة كانت عتبت عليه في تبذير وإنفاق، وخوفته العواقب وما تؤدى إليه باتفاق، فأخذ يجيبها ويقول: يا عاذلة، أي شيء عمري، وكيف يدوم بقائي حتى أخوف بالفقر، وهل لي عمر وأقراني يعدون خمساً وستين سنة. ثم أخذ يذم الحريص على الدنيا وأعراضها، ويقص ما تستوي فيه أقدام الخلائق من إرصاد الفناء لها فقال: رأيت صاحب الدنيا وإن كان متودعاً مقيماً، كامسافر يسار به وهو لا يعلم؛ وذلك لأن له أجلاً يساق إليه، ومنتهى من العمر يحال عليه، فالأيام تأخذ منه، وتنقص من عمره، فهو كالمسافر وقد انتوى نيةً فما يقطعه من المسافة يقربه من مقصده، ويعجل وصوله إلى أمده.

وقوله (مقيمين في دار) انتصب على الحال من قوله (أخا الدنيا) ، لأنه أراد به الكثرة، فهو كأسماء الأجناس. وقال: (نروح ونغتدي) لأنه من إخوان الدنيا، فادخل

<<  <   >  >>