للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأن قليل المال للمرء مفسد ... يحز كما حز القطيع المحرم

يرى درجات المجد لا يستطيعها ... ويقعد وسط القوم لا يتكلم

قوله (والأيام ذات تجارب) اعتراض وقع بين أنبيت ومفعوليه، وهما في قوله (بأن ثراء المال ينفع ربه) لأن أنبيت ونبيت وأخواتها كل واحدة منها تتعدى إلى ثلاثة مفاعيل. وقوله (وتبدي لك الأيام) اعتراض ثان وإن عطف على ماقبله. والمعنى أن الأيام والليالي تفيد أربابها تجارب بما يحدث فيها من الحوادث، ويتحول من الأحوال، وتعلمهم بما ينكشف عنها ويشتملعليها من غوامض الأمور وخفياتها، مالا يخطر لهم ببال، ولا يؤديهإليهم رسم ولا مثال. فيقول: أخبرت والأيام هذه حالها أن كثرة المال، والتوسع في الحال، يرجعان بالنفع على صاحبهما فيصورانه بصورة المشكور والمحمود، وإن كان عند التحقيق والتحصيل مشكواً مذموماً؛ وأن قي قلة المال مفسدة لحال المقل وجاهه ونفسه، حتى يبريه ويقطعه بري السوط الجديد الذي لم يلين بعد، المضروب به، فتراه يبخع نفسه، وبتخشع للاقيه والناظر إليه، ويلزم السكوت في نادي الحي فلا ينبس تماوتاً وتصاغراً، إذ كان قد علم من نفسه أنه لا يستطيع الترقي في مدارج الفضل والإفضال، وانه تقعد الحال به عن النهوض بما ينهض به أماثل الرجال، فهو يسلم الأمر لهم، ويبرأ من التدبير إليهم إليهم. وقوله (بأن ثراء المال) تعلق بأنبيت بأن الأمر كذا وأن الأمر كذا. والقطيع: السوط. والمحرم: الذي لم يمرن بعد.

[وقال محمد بن بشير]

لأن أوجى عند العرى بالخلق ... وأجتزي من كثير الزاد بالعلق

خير وأكرم لي من أن أرى منناً ... خوالداً للئام الناس في عنقي

يصف رضاه بيسير الحظ من الدنيا، وعفافه عن كثير ما يستغني عنه فيتوقى، فيقول: لأن أتبلغ عند التعري باكتساء الخلق، وأكتفي من الزاد الكثير بما يمكن به سد

<<  <   >  >>