للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والأزم: العض، وكنى به عن الاحتماء فقيل: (نعم الدواء الزم) ، فكأنه أراد بالأزم هنا الصبر والثبات.

[وقال منقذ الهلالي]

أي عيش عيشي إذا كنت منه ... بين حل وبين وشك رحيل

كل فج من البلاد كأني ... طالب بعض أهله بذحول

ما أرى الفضل والتكرم إلا ... كفك النفس عن طلاب الفضول

وبلاء حمل الأيادي وأن تس ... مع منا تؤتىبه من منيل

قوله (أي عيش) استفهام مبتدأ. والمعنى الإزراء به والذم له. (وإذا) تعلق بما دل عليه عيشي. والمراد؛ إذا كنت من عيشي بين سفر متواصل، ونزول وارتحال متتابع، ولاأنال دعةً، ولا أحصل خفضاً وراحة، فكأنه لا عيش لي. وقوله:

كل فج من البلاد كأني ... طالب بعض أهله بذحول

قد سلك مثل هذا المسلك أبو تمام في قوله:

كأن به ضغناً على كل جانب ... من الأرض أو شوقاً إلى كل جانب

والمعنى: أني لا أقتصر على قصد منتوى، ورمى نفسي في جانب من الأرض مرتمى، ولكني أتنقل في أطراف الأرض وآفاقها، وأضرب في أعراض البسيطة وأعماقها، كأني أطلب بعض أهلها بترة، فهو في الهرب وأنا في الطلب.

وقوله (ما أرى الفضل) ينبه به على أن سعيه في إصلاح عيشه، وترك ما لايعنيه من شأنه، فقال: ليس الفضل والعفاف، وحبس النفس فيما بينك وبين الناس على التكرم والكفاف، إلا إذا زممت نفسك عما يتجاوز رم الحال، ووقفت عندما يمكن الاكتفاء به من المعاش. فمن البلاء العظيم تحمل النعم عن المفضلين، وسمعك امتنان المنيلين. وهذا دأبى فيما ألتزمه من التعب، وأحمل عليه نفسي من التجوال في البلاد والتقلب. وارتفع (بلاء) على أنه خبر مقدم، والمبتدأ حمل الأيادي. وقوله (تؤتى به) من صفة المن.

<<  <   >  >>