للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال آخر:

يأيها العام الذي قد رابني ... أنت الفداء لذكر عام أولا

أنت الفداء لذكر عام لم يكن ... نحساً ولا بين الأحبة زيلا

يفضل أيامه الماضية على أيامه الحاضرة، فقال كالمخاطب لها: أيها العام الذي قد أتى بما يريبني، جعلك الله فداءً لعام أول من عامي، تقضى بما سرني. وقوله (عام أولا) مما ألف فيه كثرة الاستعمال، فوصف بصفة لم توصف به نظائره، اعتماداً على التعارف. والمراد بهذا أنه لم يقل شهر أول ولا حول أول، ول سنهة أولى، وإنما خص هو بذلك لكثرة الاستعمال، ولأن دلالة الحال وتعارف المتكلمينبه سوغ الحذف والإجراء على ما ألف قيه.

وقوله (أنت الفداء) يريد تكرير الدعاء على التضجر بحاضر وقته وعامه، والتنبيه على ما رابه منه. فيقول: جعلك الله فداء لذكر عام لم يعد بمنحسة، ولاحكم بين الأحبة بفرقة. وإنما قال (لذكر عام) لأن العام وقد تقضى لايصح فيه التفدية. والنحس: ضد السعد، وقد وصف به الغبرة والأمر المظلم. وفي القرآن: في أيام نحسات. ويقال: رجل منحس أي محزون.

[وقال الفرزدق]

إذا ما الدهر جر على أناس ... حوادثه أناخ بآخرينا

فقل للشامتين بنا أفيقوا ... سيلقى الشامتون كما لقينا

يقول: إذا صروف الدهر أناخت على قوم بإزالة نعمهم، وتكدير عيشهم، فجرت عليهم أذيال الشر والتغيير، ودرست آثارهم ومحت دولهم، تراها تنتقل إلى آخرين، لأنها كما تهب ترتجع، وكما تولى تستلب.

ثم قال: قل لمن شمت بنا فيما رأى من أثر الزمان فينا: انتبهوا من رقدتكم واصحوا من شمانتكم، فستلقون كما لقينا، وتمتحنون كما امتحنا؛ لأن حياتنا وجميع ما في أيدينا عوار، والعواري تسترد وإن طالت المهلة.

<<  <   >  >>