للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بيضاء باكرها النعيم فصاغها ... بلباقة فأدقها وأجلها

يقول: إن المرأة التي ادعت عليك ملال قلبك منها، وإعراضك عنها، ونيتك في استبدالك بها، خلقت هوى لك كما خلقت أنت هوى لها. والمعنى أن دعواها تجن منها، وتسخط لما يظهر من شعفك بها، وهي لك لا انفكاك لقلبك من عشقها، كما تدعي أنها لك بهذه المنزلة، فأنت تهواها كما أن تلك تهواك، لا مرية في ذلك ولا شك.

وقوله (بيضاء باكرها النعيم) يريد أنها نشأت في النعمة والنعمة، وأن خفض العيش رباها وحسن خلقها بحذق ولباقة، فجعل محاسنها مرتبة بين ما يستحب دقتها، وبين ما يستحب ٤فخامتها. ومعنى (باكرها) سبق إليها في أول أحوالها؛ لأن البكور: اسم لابتداء الشيء؛ على ذلك باكورة الربيع. واللباقة: الحذق؛ يقال: هو لبق ولبيق، أي حاذق. ومعنى أدقها وأجلها: أتى بها دقيقة جليلة، فما يستحب دقتها منها مثل الأنف والعين والثغر والخصر جعلها دقيقة، وما يستحب جلالتها منها مثل الساق والفخذ والعجز والصدر جعلها جليلة. وهذا كما قال الآخر:

فدقت وجلت واسبكرت وأكملت ... فلو جن إنسان من الحسن جنت

وكما قال:

يمانيه تلم بنا فتبدي ... دقيق محاسن وتكن غليلا

حجبت تحيتها فقلت لصاحبي ... ما كان أكثرها لنا وأقلها

وإذا وجدت لها وساوس سلوة ... شفع الضمير لها إلى فسلها

كأنها لما لامته في ملامه وظهور التسلي منه، هجرته وأقبلت لا تقبل تحية ولا ترد جوابها. فيقول: لما أعرضت وتحجبت عن رسلي، وأظهرت اطراح ودي، قلت متأسفاً ومتعجباً: ماكان أكثرها لنا حين كانت متوفرة علينا وما أقلها لنا الساعة وقد زهدت فينا هذا الزهد المسرف، وضجرت بنا الضجر المفرط. والذي استكثره واستقله هو نيلها وميلها. هذا إذا جعلت الضمير من (أكثرها) و (أفلها) راجعاً إلى

<<  <   >  >>