للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقول: إن كان هذا الذي يظهر منك موافقاً لما يبطن، وهذا الإعراض عن جفاء وقلىً لادلال وهوى، فإني سأداوي ما بيني وبينك بالتهاجر، وقاعد عنك قعود حر لايصبر على الجفاء والتدابر، ولايرضي من وديده بالمماذقة دون الصفاء، فأطوي ودي معه وأصونه عن النشر، لأن الطي أوقى فيه، وصيانته عن الإبتذال أوعى له.

وإنما قال: ابن حرة، والقصد إلى الكريم من الرجال، الذي يصون نفسه ونفس صاحبه فلا يوحش مع التهاجر، ولا يفحش على التنكر والتباغض، لكنه يلزم المجاملة والمساترة في كل حال، لأن الأم إذا كانت متملكة تبعها الولد في الرق، فيحصل الرق والهجنة معاً، ومتى كانت حرة لم يتبع الولد أباه في الرق وإن كان عبداً مملوكاً، ولكنه يكون هجيناً غير عربي خالص.

آخر:

وفي الجيرة الغادين من بطن وجرة ... غزال كحيل المقلتين ربيب

فلا تحسبي أن الغريب الذي نأى ... ولكن من تنأين عنه غريب

كان شعبا الشاعر وصديقته مجتمعين ببطن وجرة زماناً، فوقعت الألفة بينهما ثم افترقوا، فقال متأسفاً في إثرها، ومتلهفاً لما فاته من الاجتماع بينهما: وفي الخلطاء الباكرين من هذا المكان امرأة كأنها غزال مكحل العينين مريب في البيوت، منعم بالاقتناء، ملك قلبي. ثم قال مخاطباً لها: لا تظني أن الغريب من بعد عن سكنه، ونأى عن إلفه ووطنه، ولكن الغريب هو من تبعدين عنه وفي يدك قياده، فعلى البعد تجذبينه، ومن مراده تمنعينه، وقد ضاق عنه مكانه حتى صار فيه كمن نأى عن أهله، وحصل في غير أرضه ومنزله.

وقال آخر:

بنفسي وأهلي من إذا عرضوا له ... ببعض الأذى لم يدر كيف يجيب

ولم يعتذر عذر البريء ولم تزل ... به سكتة حتى يقال مريب

<<  <   >  >>