للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمراد به ابتداء الشباب. وذكر بعضهم أن المراد بالرقارق مياه رقيقة، وأن الزرق الصافية، والرمد المتغيرة الألوان، والأول أقرب، لأن الرمد لا يستعمل إلا في الحاسة، ولأن الفائدة في كون مياه بالغضي على هذه الصفة قليلة. وقصد الشاعر فيما كلف صاحبيه أن يجددا عهد بأهل الغضى، ويتعرفا من أخبار محبوبته، ما تسكن نفسه إليه. وفي قوله إن بالغضي رقارق، إذا جعلت الرقارق نساء، نسيب بها وبصواحبها: وقوله لا زرق العيون، ثبت لهن كحل العيون وسلامتها من الآفات، بنفي الأضداد عنها، وهذا كتحديد الشيء بالسلب.

وقوله أكاد غداة الجزع يصف ما ناله يوم البين، وأنه مع ثباته في الشدائد، وصبره على النوائب، وحسن تمسكه عن جوالب الهوى، يفتضح ويظهر عليه من الاكتئاب والوجد ما يستدل به على مستكنات صبابته، وخفيات أحواله.

فلله درى أي نظرة ذي هوى ... نظرت وأيدى العيس قد نكبت رقدا

يقربن ما قدامنا من تنوفة ... ويزددن ممن خلفهن بنا بعدا

قوله لله درى يجري مجرى: لله خيري. ومن عادتهم أن ينسبوا ما يعجبهم إلى الله تعالى ذكره، وإن كانت الأشياء كلها في الحقيقة له. وقد فارق درى بالاستعمال على هذا الوجه المصادر، فلا يتعلق به شيء من متعلقاتها. وقوله أي نظرة ذي هوى تعجب، وانتصب أي بنظرت. وكأنه لما صبر عندما رأى من أيات الفراق ولواذع البين، وصار بمرأى منه وبمسمع، من التهيؤ للارتحال، ومن تدبير عوارض السفر، عد ذلك من نظره وجلده شيئاً عجيباً. ومعنى نكبت رقدا وهو موضع كان يجمعهم. ويجوز أن يريد بذلك نظره في إثر الظعائن تحسراً وصاحبته معهن، كما قال الآخر:

بعيني ظعن الحي لما تحملوا ... لدى جانب الأفلاج من جنب تيمرا

وقوله:

ولما بدا حوران في الآل دونها ... نظرت فلم تنظر بعينيك منظرا

<<  <   >  >>