للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما مثال ما يترك لأجل التلبيس فأن تقول فلان خائن في حقك فيقال لِمَ فيقول لأنه يناجي عدوك، وتمامه أن يقول كل من يناجي العدو فهو خائن وهذا يناجي العدو فهو خائن، ولكن ترك مقدمة الحكم فانه لو صرح به ربما يذكر أنه ربما يناجي العدو لجدعه أو يستميله أو ينصحه، ولا يسلم أن كل من يناجي العدو فهو خائن فيترك ذلك حتى لا يتذكر محل الكذب، وربما يترك مقدمة المحكوم عليه فيقول لا تخالط فلاناً فيقال لِمَ فيقول لأن الحُسّاد لا تُؤمن مخالطتهم. وتمامه أن نقول الحساد لا يخالطون وهذا حاسد فينبغي أن لا يخالط، فتركت مقدمة المحكوم عليه وهو قولك هذا حاسد وكل من يقصد التلبيس في المجادلات فطريقه إهمال إحدى المقدمتين إيهاماً بأنه واضح وربما يكون الكذب فيه أو استغفالاً للخصم واستجهلا له، فإنه ربما يتنبّه للحاجة إلى المقدمة الثانية. وهذا كله أمثلة النظم الأول، وقد يقع في غيره أيضاً. كمن يقول مثلاً كل شجاع ظالم فيقال لِمَ فيقول لأن الحجاج كان شجاعاً وظالماً، فهذا تمامه إن يقول الحجاج شجاع والحجاج ظالم. فكل شجاع ظالم وهو غير منتج لأنه طلب نتيجة عامة من النظم الثالث، وقد ثبت إن النظم الثالث لا ينتج إلا قضية خاصة، له إنما كان من النظم الثالث لأن العلة هي الحجاج، فانه متكرر في المقدمتين ولا يلزم منه إلا أن بعض الشجعان ظلمة، إما الكل فغير لازم. وكذلك يقول العامي. المتفقهة سيئة الآداب والمتصوفة كلهم فسقة، فيقال لِمَ فيقول لأني رأيت متصوفة الرباط الفلاني ومتفقهة المدرسة الفلانية يفعلون كيت وكيت وهو خطأ لأنه طلب نتيجة عامة من النظم الثالث وهو محال، وبالجملة مهما كانت العلة أخص من الحكم والمحكوم عليه في النتيجة لم يلزم إلا نتيجة جزئية، وهو معنى النظم الثالث، ومهما كانت العلة أعم من المحكوم عليه وأخص من الحكم أو مساويا للحكم كان من النظم الأول وأمكن أن تستنتج منه القضايا الأربعة، ومهما كانت العلة أعم من الحكم والمحكوم عليه جميعا كان من النظم الثاني ولم ينتج منه إلا النفي، إما الإثبات فلا. ومثاله من العادات أن تقول هذه المرأة حبلى فيقال لِمَ فتقول لأنها عظيمة البطن فهذا دليل فاسد وقد حذف إحدى مقدمتيه. وتمامه أن يقول هذه المرأة عظيمة البطن وكل عظيمة البطن فهي حبلى فهذه المرأة إذاً حبلى، والعلة عظيمة البطن وقد جعل خبراً في المقدمتين، وهو أعم من المحكوم عليه فإنه المرأة المعينة وعظيمة البطن، إذ قد يعظم بطن غيرها، واعم أيضاً من الحكم فإن الحكم هو الحبل وعظم البطن أعم منه إذ قد يكون بالاستسقاء والسمن والانتفاخ. والغلط من هذا الوجه في الفقهيات والكلاميات أكثر من أن يحصى. وأما مثال المختلطات المركبة من كل نمط فكقولك الباري تعالى إن كان على العرش فهو إما معل أو أكبر أو أصغر أو مساو،

<<  <   >  >>