للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعترض ما حفظناه، فنخبره به. فقصدنا ذات يوم إلى الشيخ فقال: أنتم أدباء، وقد سمعتم ولكم جدات، ونعم، فهل فيكم عاشق؟ فقلنا: لا! فقال: اعشقوا، فإن العشق يطلق اللسان العيي ويفتح حيلة البليد والمخبل، ويبعث على التنظف وتحسن اللباس، وتطييب المطعم، ويدعو إلى الحركة والذكاء، وتشرف الهمة، وإياكم والحرام! فانصرفنا من عنده إلى ذي الرئاستين، فسألنا عما أخذنا في يومنا ذلك، فهبنا أن نخبره، فعزم علينا، فقلنا: إنه أمرنا بكذا وكذا. قال: صدق والله، تعلمون من أين أخذ هذا؟ قلنا: لا! قال: إن بهرام جور كان له ابن، وكان قد رشحه للأمر من بعده، فنشأ الفتى ناقص الهمة ساقط المروءة خامل النفس، سيء الأدب، فغمه ذلك، ووكل به المؤدبين والمنجمين والحكماء ومن يلازمه ويعلمه، وكان يسألهم عنه، فيحكمون له ما يغمه من سوء فهمه وقلة أدبه، إلى أن سأل بعض مؤدبيه يوماً، فقال له المؤدب: قد كنا نخاف سوء أدبه، فحدث من أمره ما صيرنا إلى اليأس من فلاحه. قال: وما ذاك الذي حدث؟ قال: رأى ابنة فلان المرزبان، فعشقها حتى غلبت عليه، فهو لا يهذي إلا بها، ولا يتشاغل إلا بذكرها. فقال بهرام: الآن رجوت فلاحه.

ثم دعا بأبي الجارية. فقال له: إني مسر إليك سراً، فلا يعدونك، فضمن له ستره، وأعلمه أن ابنه قد عشق ابنته، وأنه يريد أن ينكحها إياه، وأمره أن يأمرها بإطماعه في نفسها، ومراسلته من غير أن يراها وتقع عينه عليها، فإذا استحكم طمعه فيها، تجنت عليه وهجرته، فإن استعتبها أعلمته أنها لا تصلح إلا لملك ومن همته همة ملك، وأنها تمنع من مواصلتها من لا يصلح للملك. ثم ليعلمه خبرها وخبره. ولا يطلعها على ما أسر إليه، فقبل أبوها ذلك منه، ثم قال للمؤدب الموكل

<<  <  ج: ص:  >  >>