للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فسري عنه، وعلم ما في قلبها، وقالت له: إنما أردت أن أمتحنك، والذي لك عندي أكثر من الذي لي عندك، وأنا معطية الله عهداً إن أنا جالست بعد هذا يومي رجلاً سواك حتى أذوق الموت، إلا أن أكره على ذاك. قال: فانصرف في عشيته، وهو أسر الناس بما سمع منها، فأنشأ يقول:

أظُنّ هَوَاهَا تَاركِي بِمَضَلّةٍ ... من الأرْضِ، لا مالٌ لديّ، وَلا أهلُ

وَلا أحَدٌ أُفضِي إلَيْهِ وَصِيّتي، ... وَلا وَارِثٌ إلا المَطِيّةُ وَالرّحلُ

مَحا حُبّها حُبَّ الأُلَى كُنّ قبلَها ... وَحلّت مكاناً لم يكن حُلّ من قبلُ

[زيارة الطيف]

ولي من قصيدة:

بَعَثَتْ خادِمَها نَحوِي، وَقَدْ ... أبصَرَتْ حَبْلَ الهَوَى مُنْصَرِمَا

تَتَرَثّى ليَ مِنْ وَشكِ نَوىً، ... فَتَكَت فِينَا، وبَينٍ ظَلَمَا

وَتَقُولُ: الصّبرُ أوْقَى جُنّةً، ... فَادّرِعْ صَبْرَكَ، أوْ مُتْ كرمَاَ

وَتَزَوّدْ نَظَراً تَحْيَ بِهِ، ... لَستَ في أهلِ الهَوَى مُتّهَمَا

قُلتُ: زَادِي شُرْبَةٌ مَثْلُوجَةٌ ... مِنْ ثَنَاياكِ، فقد مسّ الظَّما

فاسمَحي لي، يا ابنَةَ العمّ، بهَا، ... وَاجعَلي إبرِيقَهَا مِنكِ الفَمَا

فَتَمَلّتْ غَضَباً، وَاختَمَرَتْ ... بحَيَاءٍ، زَادَ جِسمي سَقَما

ثم قالتْ: كنتَ يا صَاحِبَنَا ... قَبلَ هَذا عِندَنَا مُحتَشَما

إنّ ثَوْبَ الصَّوْنِ والعِفّةِ مِنْ ... دُونِ ما تَطلبُهُ مِنّا حِمَى

لَيسَ بَعدَ اليَوْمِ إلاّ طَيْفُنَا، ... يَمتَطي اللّيلَ، إذا مَا أظلَمَا

قلتُ: يا هَذي هَبي الطّيف سَرَى، ... أيَزُورُ الطّيفُ إلاّ النُّوَّمَا؟

<<  <  ج: ص:  >  >>