للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يبعث إلى عبد الله بلطف تطرفه، فقال عبد الله: جزى الله ضيفنا هذا خيراً، فقد ملأنا شكراً، وما نقدر على مكافأته.

فإنه لكذلك إلى أن دعاه عبد الله، ودعا بعمارة في جواريه، فلما طاب لهما المجلس، وسمع غناء عمارة، تعجب، وجعل يزيد في عجبه، فلما رأى ذلك عبد الله سر به إلى أن قال له: هل رأيت مثل عمارة! قال: لا والله يا سيدي ما رأيت مثلها، وما تصلح إلا لك، وما ظننت أن يكون في الدنيا مثل هذه الجارية، حسن وجه، وحسن عمل، قال: فكم تساوي عندك؟ قال: ما لها ثمن إلا الخلافة؟ قال: تقول هذا لتزين لي رأياً فيها وتجتلب سروري؟ قال له: يا سيدي، والله، إني لأحب سرورك، وما قلت لك إلا الجد، وبعد فإني تاجر أجمع الدراهم إلى الدرهم، طلباً للربح، ولو أعطيتها بعشرة آلاف دينار لأخذتها. فقال له عبد الله: عشرة آلاف؟ قال: نعم! ولم يكن في لك الزمان جارية تعرف بهذا الثمن. فقال له عبد الله: أنا أبيعكها بعشرة آلاف. قال: قد أخذتها. قال: هي لك، قال: قد وجب البيع، وانصرف العراقي.

فلما أصبح عبد الله لم يشعر إلا بالمال قد جيء به، فقيل لعبد الله: قد بعث العراقي بعشرة آلاف دينار، وقال: هذا ثمن عمارة، فردها، وكتب إليه: إنما كنت أمزح معك، ومما أعلمك أن مثلي لا يبيع مثلها. فقال له: جعلت فداءك! إن الجد والهزل في البيع سواء. فقال له عبد الله: ويحك! ما أعلم جاريةً تساوي ما بذلت، ولو كنت بائعها من أحد لآثرتك، ولكني كنت مازحاً، وما أبيعها بملك الدنيا لحرمتها بي وموضعها من قلبي. فقال العراقي: إن كنت مازحاً، فإني كنت جاداً، وما اطلعت على ما في نفسك وقد ملكت الجارية، وبعثت إليك بثمنها، وليس تحل لك، وما لي من أخذها من بد. فمانعه إياها، فقال له: ليست لي بينة، ولكني أستحلفك عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنبره.

<<  <  ج: ص:  >  >>