للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال قلت: وما الذي به؟ قال: به مثل الذي بك من طول تهكمكما في الضلال، وجركما أذيال الحسار، كأن لم تسمعا بجنة ولا نار. قال قلت: من أنت منه يا ابن أخي؟ قال: أنا أخوه. قال قلت: والله ما يمنعك من أن تركب طريق أخيك التي ركبها، وتسلك مسلكه الذي سلك، إلا أنك وأخاك كالوشي والبجادن لا يرقعك ولا ترقعه، ثم انطلقت وأنا أقول:

أرَائِحَةٌ حُجّاجُ عُذرَةَ روحةً، ... ولمّا يَرُحْ في القوْم جَعدُ بنُ مَهجَعِ.

خليلينِ نشكو ما نلاقي من الهوَى، ... فتىً ما أقُلْ يسمَعُ وإن قالَ أسمَعِ.

فلا يُبعِدَنْكَ اللهُ خِلاً، فإنّني ... سألقى كما لاقَيْتَ في الحُبّ مصرَعي.

فلما حججت وقفت في الموضع الذي كنت أنا وهو نقف فيه بعرفات، وإذا أنا براكب قد أقبل حتى وقف، وقد تغير لونه وساءت هيئته، فما عرفته إلا بناقته، فإقبل حتى خالف بين عنق ناقتي وناقته، ثم اعتنقني وجعل يبكي. فقلت: ما الذي دهاك وما غا لك؟ فقال: برح العذل وطول المطل، ثم أنشأ يقول:

لئِنْ كانتْ عديلةُ ذاتَ بَثٍّ ... لَقَد عَلِمَتْ بأنّ الحُبّ داءُ.

ألَمْ تَنظُرْ إلى تغييرِ جِسْمي، ... وإني لا يُزَايِلُني البُكَاءُ.

وأني لَوْ تَكَلّفْتُ الذي بي ... لعَفّى الكَلْمُ وانكشَفَ الغِطاءُ.

وإنّ مَعاشِري وَرِجالَ قَوْمي ... حُتُوفُهُمُ الصَّبَابَةُ وَالِّلَقاءُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>