للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال عليه الصلاة والسلام، "إني على جناح سفر، وإذا قدمنا إن شاء الله تعالى صلينا فيه" فلما قفل من غزوة تبوك سألوه إتيان المسجد، فنزلت هذه الآية.

ولما دنا صلى الله عليه وسلم من المدينة خرج الناس لتلقيه وخرج النساء والصبيان والولائد يقلن:

طلع البدر علينا ... من ثنيات الوداع


الْحُسْنَى} [التوبة: ١٠٧] أي هذه الأمور التي أظهروها، والله يشهد أنهم لكاذبون.
روى ابن مردويه وابن أبي حاتم عن ابن عباس: لما بنى مسجد الضرار، قال صلى الله عليه وسلم: "ليخرج ويلك ما أردت" قال والله ما أردت إلا الحسنى، فنزلت الآية، "فقال عليه الصلاة والسلام: "إني على جناح سفر" أي مفارقة الأوطان، "وإذا قدمنا إن شاء الله صلينا فيه" فنزلت هذه الآية" يريد الجنس، ففي حديث أبي رهم الغفاري، فلما نزل بذي أوان على ساعة من المدينة أنزل الله: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا} [التوبة: ١٠٧] إلى آخر القصة، أخرجه ابن مردويه، وفي حديث ابن عباس عند البيهقي: فأنزل الله تعالى: {لَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِه} [التوبة: ٨٤] ، إلى قوله {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين} الآية، وقدمنا في الهجرة الخلاف في المراد بالمسجد الذي أسس على التقوى وأن الصحيح أنه مسجد قباء. وعند مسلم أنه المسجد النبوي وأنه لا منافاة فكل أسس عليها، غير أن قوله تعالى: {مِنْ أَوَّلِ يَوْم} و {رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} يقتضي مسجد قباء، والله تعالى أعلم.
"ولما دنا" قرب "صلى الله عليه وسلم من المدينة خرج الناس" الرجال الكاملون؛ لأنهم الذين جرت العادة بخروجهم للقاء الأمير "لتلقيه" تعظيما له وإكراما، ولطول غيبته وتحدث المنافقين عليه بالسوء.
روى ابن أبي حاتم عن جابر. قال: جعل المنافقون الذين تخلفوا بالمدينة يخبرون عن النبي صلى الله عليه وسلم أخبار السوء يقولون: إن محمدا وأصحابه، قد جهدوا في سفرهم، وهلكوا فبلغهم تكذيب حديثهم، وعافية النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فساءهم ذلك فأنزل الله: {إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ} [التوبة: ٥٠] "وخرج النساء والصبيان والولائد" الإماء، فالعطف مباين وإن أريد بالناس ما يشمل الرجال وغيرهم، فأفرد هؤلاء بالذكر لبيان خروجهم حال كونهم "يقلن" غلب النساء والولائد على ذكور الصبيان لكثرتهن، ولأن الغناء عادتهن بخلاف الصبيان وإنما خرج الجميع فرحا وسرورا بضد ما أرجف به المنافقون، ولأنهن ألفنه صلى الله عليه وسلم بخلاف الهجرة، فصعدت المخدرات على الأسطحة؛ لأنهن لم يكن رأينه، وإن فشا فيهم الإسلام:
طلع البدر علينا ... من ثنيات الوداع"

<<  <  ج: ص:  >  >>