للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الناس يمشي قطعة واحدة كأنَّه خشبة محمولة، فهي مشية مذمومة، وإمَّا أن يمشي بانزعاج مشي الجمل الأهوج وهي مشية مذمومة، وهي علامة خِفّة عقل صاحبها, ولا سيما إن أكثر الالتفات حال مشيه يمينًا وشمالًا.

وفي بعض المسانيد: إن المشاة شكوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من المشي في حجة الوداع فقال: استعينوا بالنسلان, وهو العدو الخفيف الذي لا يزعج الماشي.

وأما مشيه -عليه الصلاة والسلام- مع أصحابه، فكانوا يمشون بين يديه وهو خلفهم، ويقول: "خلوا ظهري للملائكة" أمامه, وتركوا ظهره للملائكة، وهو معنى قول القائل: وكان يسوق أصحابه


إمَّا "يمشي قطعة واحدة كأنه خشبة محمولة، فهي مشية مذمومة"، ودليل تقدير ما قوله, "وإمَّا أن يمشي بانزعاج مشي الجمل الأهوج" الطائش السريع في مشيه؛ "وهي مشية مذمومة، وهي علامة خِفَّة عقل صاحبها، ولا سيما إن أكثر الالتفات حال مشيه يمينًا وشمالًا" ولذا قال هند تلو قوله: كأنما ينحط من صبب، وإذا التفت التفت جميعًا، أي: لا يسارق النظر, ولا يلوي عنقه يمنة ولا يسرة. وروى الحاكم عن جابر, كان -صلى الله عليه وسلم- إذا مشى لم يلتفت. "وفي بعض المسانيد: إن المشاة شكو إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من المشي في حجة الوداع، فقال: "استعينوا بالنسلان" بفتح النون والسين المهملة واللام، "وهو العدو" الإسرا "الخفيف الذي لا يزعج الماشي"، وكأنَّه تفسير مراد وإلّا فالنسلان لغةً الإسراع بلا قيد، ومنه {إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ} [يس: ٥١] "وأمَّا مشيه -عليه الصلاة والسلام مع أصحابه"، أي: مع قصده مشيهم معه, فلا ينافي أنَّه قدم قوله: حتى يهرول الرجل وراءه فلا يدركه, وإنا لنجهد أنفسنا وهو غير مكترث؛ لأنه بلا قصد أو أعم، "فكانوا يمشون بين يديه، وهو خلفهم، ويقول: "خلوا ظهري للملائكة"؛ لأنهم يحرسونه من أعدائه، قاله أبو نعيم: ولا ينافيه {يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} ؛ لأنه إن كان قبل نزولها فظاهر، وإلّا فمن عصمة الله تعالى له أن يوكّل به جنده من الملأ الأعلى إظهار الشرفة، وفي المستدرك عن جابر: كان إذا مشى مشى أصحابه "أمامه, وتركوا ظهره للملائكة، وهو معنى قول القائل: وكان يسوق أصحابه" يقدمهم بين يديه ويمشي خلفهم، كأنه يسوقهم؛ لأن هذا شأن الراعي، أو لأنَّ من كمال التواضع أن لا يدع أحدًا يمشي خلفه، أو ليختبر حالهم، وينظر إليهم حال تصرفهم في معاشهم، وملاحظتهم لنظرائهم، فيربي من يستحق التربية، ويكمل من يحتاج إلى التكميل، ويعاتب من يستحق العتب، ويؤدّب من يستحقه، وهذا شأن الولي مع المولى عليه، أو ليخلي ظهره للملائكة، احتمالات لا مانع من إرادة جميعها، قال النووي: وإنما تقدمهم في قصة جابر،

<<  <  ج: ص:  >  >>