للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم إن سليمان عليه السلام أثنى على ربه فقال: الحمد الله الذي سخر لي الرياح، وسخر لي الشياطين، يعملون ما شئت من محاريب وتماثيل، وعلمني منطق الطير وآتاني من كل شيء فضلًا، وسخر لي جنود الشياطين والإنس والجن، والطير وآتاني ملكًا لا ينبغي لأحد من بعدي، وجعل لي ملكًا طيبًا ليس علي فيه حساب.


المخاطب على المقصود من غير التباس، يراعى في مظان الفصل والوصل، والعطف والاستئناف، والإضمار والإظهار، والحذف والتكرار، ونحوها.
"ثم إن سليمان عليه السلام أثنى على ربه، فقال: الحمد لله الذي سخر لي الرياح"، ذللها لطاعتي إجابة لدعوتي، تجري بأمره رخاء: لينة من الرخاوة، لا تزعزع، أو لا تخالف إرادته، كالمأمور المنقاد حيث أصاب، أي: أراد، "وسخر لي الشياطين يعملون" لي "ما شئت من محاريب": أبنية مرتفعة يصعد إليها بردج كالقصور، سميت بها؛ لأنها يذب عنها ويحارب عليها، "وتماثيل": جمع تمثال، وهو كل شيء مثلثه بشيء، أي: صورًا من نحاس وزجاج ورخام، ولم يكن اتخاذ الصور حرامًا في شريعته.
وأسقط المصنف من حديث أبيس سعيد: وجفان كالجوابي وقدور راسيات، وكذا هو ثابت في حديث أبي هريرة عند البيهقي وغيره، وهو موافق للقرآن، فكأنه سقط من قلم المصنف سهوًا، والجوابي: جمع جابية وهي حوض كبير: يجتمع على الجفنة ألف رجل يأكلون منها، وقدور راسيات ثابتات لها قوائم، لا تحرك عن أماكنها: تتخذ من الجبال باليمن يصعد إليها بالسلاليم.
"وعلمني منطق الطير"، أي: فهم أصواته، "وآتاني من كل شيء" يؤتاه الأنبياء والملوك "فضلًا" مبينًا ظاهرًا، "وسخر لي جنود الشياطين، أي: أعوانا هم الشياطين، فهو من إضافة الأعم إلى الأخص، أو إضافة بيانية، "والإنس والجن" ظاهره أنهم غير الشياطين، وهو كذلك باعتبار الإيمان، فمن كفر من الجن يقال له: شيطان، كما في حياة الحيوان وغيرها، "والطير" أسقط من الحديث: وفضلني عل كثير من عباده المؤمنين، قبل قوله "وآتاني ملكًا لا ينبغي"، لا يكون "لأحد من بعدي"، أي: سواء، ولو في حياتي، كقوله تعالى: {فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ} [الجاثية: ٢٣] ، أي: سواء، "وجعل لي ملكًا طيبًا ليس علي فيه حساب" ولا عقاب، كما في الرواية، لعصمته من الظلم المؤدي إلى ذلك، فهو وإن اتسع ملكه بحيث تجري العادة في مثله بترتب الحساب والعقاب، لم يحصل فيه شيء يقتضيهما للملوك، لا سيما الجبابرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>