للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرابعة: كأن يأتيه في مثل صلصلة الجرس، وكان أشده عليه...................


وحاصله: أنه يزول الزائد دون فناء. وقال إمام الحرمين: معناه أن الله أفنى الزائد من خلقه أو أزاله عنه ثم يعيده إليه بعده، والسراج البلقيني يجوز أن الآتي هو جبريل بشكله الأول إلا أنه انضم فصار على قدر هيئة الرجل ومثال ذلك القطن إذا جمع بعد نفشه، وهذا على سبيل التقريب. قال في فتح الباري: والحق أن تمثل الملك رجلا ليس معناه أن ذاته انقلبت رجلا، بل معناه: أنه ظهر بتلك الصورة أنيسًا لمن يخاطبه. والظاهر: أن القدر الزائد لا يزول ولا يفنى بل يخفى على الرائي فقط، انتهى.
وفي الحبائك أجاب العلاء القونوي بجواز أن خصه بقوة ملكية يتصرف فيها بحيث تكون روحه في جسده الأصلي مدبرة له ويتصل أثرها بجسم آخر يصير حيًا بما اتصل به من ذلك الأثر، وقد قيل: إنما سمي الأبدال أبدالا؛ لأنهم قد يرحلون إلى مكان ويقيمون في مكانهم شبحًا آخر شبيهًا بشبحهم الأصلي بدلا عنهم، وأثبت الصوفية عالمًا متوسطًا بين عالم الأجساد والأرواح سموه عالم المثال، وقالوا: إنه ألطف من عالم الأجساد وأكثف من عالم الأرواح وبنوا على ذلك تجسد الأرواح وظهورها في صورة مختلفة من عالم المثال، وقد يستأنس لذلك بقوله تعالى: {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} [مريم: ١٧] ، ويجوز أن جسمه الأول بحاله لم يتغير وقد أقام شبحًا آخر وروحه متصرفة فيهما جميعًا في وقت واحد، قال: والجواب بأنه كان يندمج إلى أن يصغر حجمه فيصير بقدر دحية ثم يعود كهيئته الأولى تكلف، وما ذكره الصوفية أحسن.
وقال القاضي أبو يعلى الحنبلي: لا قدرة للملائكة والجن على تغيير خلقهم والانتقال في الصورة، وإنما يجوز أن يعلمهم الله كلمات وضربًا من ضروب الأفعال إن فعلوه وتكلموا به نلهم الله من صورة إلى صورة.
الحالة "الرابعة: كان يأتيه" مخاطبًا له بصوت "في مثل" أي: صفة، "صلصلة" بمهملتين مفتوحتين بينهما لام ساكنة، "الجرس" بجيم ومهملتين: الجلجل الذي يعلق في رءوس الدواب، قال الحافظ والمصنف. وقال الشامي: الجرس مثال يشبه الجلجل الذي يعلقه الجهال في رءوس الدواب، انتهى.
قال في الفتح: والصلصلة المذكورة قيل صوت الملك بالوحي. وقال الخطابي: صوت متدارك يسمعه ولا يثبته أول ما يسمعه حتى يفهمه بعد، وقيل: صوت حفيف، أي: بمهملة وفاءين، دوي أجنحة الملك.
والحكمة في تقدمه أن يقرع سمعه الوحي، فلا يبقى فيه مكان لغيره. "وكان أشده عليه" لأنه يرد فيه من الطباع البشرية إلى الأوضاع الملكية، فيوحي إليه كما يوحي إلى الملائكة؛ كما

<<  <  ج: ص:  >  >>