للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"ذكر أول من آمن بالله ورسوله":

وكان أول من آمن بالله وصدق صديقة النساء خديجة، فقامت بأعباء الصديقية. قال لها عليه الصلاة والسلام: $"خشيت على نفسي". فقالت له: أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدًا. ثم استدلت بما فيه من الصفات والأخلاق والشيم على أن من كان كذلك لا يخزى أبدًا.


ذكر أول من آمن بالله ورسوله:
"وكان أول" بالنصب "من آمن بالله وصدق" عطف تفسير، فالإيمان التصديق، "صديقة" بالرفع اسم كان ويجوز عكسه، الأول أولى إذ المجهول الأولية وأضافها لقوله: "النساء" أي: الدائمة الصدق منهن مع اختصاص الصديقة بالنساء دفعًا لتوهم أنها صديقة الأمة فيوهم تميزها على أبي بكر، "خديجة" قاله ابن إسحاق وموسى بن عقبة والواقدي والأموي وغيرهم، قال النووي: عند جماعة من المحققين، وحكى الثعلبي وابن عبد البر والسهيلي عليه الاتفاق.
وقال ابن الأثير؛ لم يتقدمها رجل ولا امرأة بإجماع المسلمين، "فقامت بأعباء" أي: بالمشاق التي يطلب تحملها وفاء بحقوق "الصديقية" والأعباء في الأصل: الثقل، فشبه الأحوال بها مبالغة ودليل قيامها بتلك الحقوق أنه "قال لها عليه الصلاة واللام" لما رجع يرجف فؤاده بعد مجيء جبريل له: "خشيت على نفسي". فقالت له: أبشر. بهمزة قطع "فوالله لا يخزيك الله أبدًا، ثم استدلت" على ذلك "بما فيه من الصفات" الحميدة كقرى الضيف وحمل الكل، "والأخلاق" الزكية المرضية، أي: الملكات الحاملة على الأفعال الحسنة، "والشيم" بمعنى الأخلاق، فالعطف مساوٍ وعطفهما على الصفات عطف سبب على مسبب، "على أن من كان كذلك لا يخزى أبدًا" وهو من بديع علمها وقوة عارضتها.
قال ابن إسحاق: وآزرته على أمره فخفف الله بذلك عنه، فكان لا يسمع شيئًا يكرهه من رد وتكذيب إلا فرج الله عنه بها إذا رجع إليها تثبته وتخفف عنه وتصدقه وتهون عليه أمر الناس، ولهذا السبق وحسن المعروف جزاها الله سبحانه فبعث جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بغار حراء كما في رواية الطبراني، وقال له: "اقرأ عليها السلام من ربها ومني وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب"؛ كما في الصحيح.
وفي الطبراني: فقالت هو السلام ومنه السلام وعلى جبريل السلام. وفي النسائي: وعليك يا رسول الله السلام ورحمة الله وبركاته، وهذا من وفور رفقها حيث جعلت مكان رد السلام على الله الثناء عليه، ثم غايرت بين ما يليق به وما يليق بغيره. قال ابن هشام: والقصب هنا اللؤلؤ المجوف، وأبدى السهيلي لنفي الصخب والنصب لطيفة هي أنه صلى الله عليه وسلم ما عاد إلى الإيمان أجابت طوعًا ولم تحوجه لرفع صوت ولا منازعة ولا نصب، بل أزالت عنه كل تعب وآنسته من كل وحشة وهونت عليه كل عسير، فناسب أن تكون منزلتها التي بشرها بها وبها بالصفة المقابلة لفعلها وصورة حالها رضي الله عنها، واقرأ السلام من ربها خصوصية لم تكن لسواها ولم تسؤه صلى الله عليه وسلم قط، ولم تغاضبه وجازاها فلم يتزوج عليها مدة حياتها وبلغت منه ما لم تبلغه امرأة قط من زوجاته.

<<  <  ج: ص:  >  >>