للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي طريقه -عليه السلام- هذه، دعا بالدعاء المشهورة:

"اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين،.........


ثلاثمائة وآخر خمسة عشر، وعن عكرمة: اثني عشر ألفا، فهذا الاختلاف دليل على تكرر وفادتهم؛ كما أشار إليه البيهقي وابن عطية، وقال: إنه التحرير بمكة والمدينة، فالمتحصل من الأخبار أنهم وفدوا عليه لما خرجوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها لاستكشاف الخبر عن حراسة السماء بالشهب، فوافوه -صلى الله عليه وسلم- بنخلة عامدا سوق عكاظ يصلي بأصحابه الفجر فسمعوا القرآن، وقالوا: هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء فرجعوا إلى قومهم فقالوا: يا قومنا إنا سمعنا قرآنا عجبا، فأنزل الله: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ} [الجن: ١] ، وما قرأ عليهم ولا رآهم؛ كما قاله ابن عباس في الصحيحين وغيرهما وأخرى بنخلة وهو عائد من الطائف وأخرى بالحجون.
وفي لفظ: بأعلى مكة بالجبال، لما أتاه داعي الجن فذهب معه وقرأ عليهم القرآن، ورجع لأصحابه من جهة حراء، وأخرى ببقيع الغرقد، وفي هاتين حضر ابن مسعود وخط عليه خطا بأمر المصطفى وأخرى خارج المدينة وحضرها الزبير، وأخرى في بعض أسفار لها وحضرها بلال بن الحارث؛ بل حديث أبي هريرة في الصحيح يحتمل أنهم أتوه حين حمل أبو هريرة للنبي صلى الله عليه وسلم الأدواة وإنما قدم أبو هريرة في سابعة الهجرة، وبهذا لا يبق تعارض بين الأخبار ويحصل الجمع؛ كا قال الحافظ بين نفي ابن عباس رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لهم، قال المصنف: وهو ظهر القرآن وبين ما أثبته غيره من رؤيته لهم، والله أعلم.
"وفي طريقه عليه السلام هذه" لما اطمأن في ظل الحيلة، أي: الكرمة، "دعا بالدعاء المشهور" المسمى كما قال بعضهم بدعاء الطائف، وهو: "اللهم إليك أشكو" قدم المعمول ليفيد الحصر، أي: لا إلى غيرك فإن الشكوى إلى الغير لا تنفع "ضعف قوتي" بضم الضاد أرجح من فتحها وهما لغتان؛ كما في الأنوار، وفي المصباح: الضم لغة قريش.
وفي القاموس: الضعف بالفتح والضم ويحرك ضد القوة. "وقلة حيلتي" في مخلص أتوصل به إلى القيام بما كلفني، "وهواني على الناس" احتقارهم واستهانتهم بي واستخفافهم بشأني واستهزاءهم، والشكوى إليه عز وجل لا تنافي أمره بالصبر في التزيل؛ لأن إعراضه عن الشكوى لغيره وجعلها إليه وحده هو الصبر، والله سبحانه يمقت من يشكوه إلى خلقه ويحب من يشكو ما به إليه، "يا أرحم الراحمين" أي: يا موصوفا بكمال الإحسان، "أنت أرحم الراحمين" وصف له تعالى بغاية الرحمة بعدما ذكر لنفسه ما يوجبها، واكتفى بذلك عن عرض المطلوب بصريح اللفظ تلطفا في السؤال وأدبا وأكد ذلك ولمح للمراد، فقال: "وأنت رب المستضعفين"

<<  <  ج: ص:  >  >>