للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[ختم الرسل بمحمد صلى الله عليه وسلم أمر قدري لا مفر من الرضى به]

[السُّؤَالُ]

ـ[من أغرب الأمور التي ينسبها الدينيون لله الخالق هي العدل والحكمة فهم في كل موقع يقولون بأن الله عادل حكيم، لكن دعنا نبحث في أمر يتفاخرون به أيضا وهو أن محمدا هو آخر رسول أرسله الله للإنس والجن معا وأن الإسلام هو آخر الرسالات السماوية التي يراها الله ملاءمة لكل البشر والجن لكل الأزمنة القادمة ولكل البيئات الاجتماعية والمستويات الثقافية ولكل المشاكل التي ستواجه البشر والجن حتى قيام الساعة وسأفترض فرضا لا أقبله هو أن الإسلام فعلا هو آخر وبالتالي أرقى ما يستطيع الإله العادل الحكيم تقديمه لإسعاد البشر وبما أنه لن يستطيع تقديم أفضل من هذا فلا حاجة لتغيير الرسالة التي وهي الاسلام، السؤال البسيط الذي يفرض نفسه الآن لماذا محمد هو آخر الرسل؟ فأي إنسان يمتلك ذرة من التفكير لا يرى ما يمنع من بعث رسل أو أنبياء لتوضيح نفس الرسالة الإسلام في كل زمان ومكان

ما هو المانع المقنع الذي يراه العادل الحكيم في إرسال شخصية توضح الاعجاز القرآني وما استغلق علينا فهمه من القرآن بدلا من أن يتنازع البشر في فهم الآيات ويرمي كل طرف الآخر بأن القرآن لا يعلم تأويله إلا الله وأن تفسير المفسرين قد يخطئ ويصيب لأنهم بشر غير معصومين؟ طبعا وجد محمد تبريرا منطقيا جدا لأهل زمانه في كونه آخر الرسل لأنه في آخر الزمان وبالتالي لا يوجد داع لوجود رسول آخر لأن الزمان حتى قيام الساعة قد اقترب ولا يتسع لمن يليه حدثنا سويد بن سعيد وأحمد بن ثابت الجحدري قالا حدثنا عبد الوهاب الثقفي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه كأنه منذر جيش يقول صبحكم مساكم ويقول بعثت أنا والساعة كهاتين ويقرن بين أصبعيه السبابة والوسطى ويقول أما بعد فإن خير الأمور كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة وكان يقول من ترك مالا فلأهله ومن ترك دينا أو ضياعا فعلي وإلي * (صحيح) _ الارواء ٦٠٨ وأخرجه مسلم (٧) باب اجتناب البدع والجدل

لمزيد من الأدلة طبعا سيبرر البعض هذا بأن العمر الكوني بالمليارات أو أن عمر البشرية بالملايين وبالتالي ألف سنة أو الفين ليست بشيء لكنهم لن يستطيعوا مثلا تبرير وجود تلك الأعداد الهائلة من الرسل في فترات أقل كثيرا بل إنه في بعض الفترات كان الأنبياء موجودين في نفس الوقت كلوط وإبراهيم أو عيسى ويحيى أو يعقوب وإسحق ويوسف أوموسى وشعيب فبالتأكيد الذي يرسل الرسل في هذه الفترات المتقاربة لن يدع البشرية كل هذه المدة بدون رسل لأن هذا يتنافى مع العدل والحكمة التي يتفاخر بهما أتباعه محمد بشر مثلنا يوحى إليه ما المانع أن يوحى لغيره لإكمال نفس الرسالة؟ ماهي الأشياء التي ميزت محمدا بحيث لا يمكن تكرارها لكي يكون خاتما للرسل للإنس والجن؟ أيهما أقرب للعدل والحكمة إرسال رسول مؤيد لنفس الرسالة أم ترك البشر يتخبطون لمعرفة الحقيقة؟ أيهما أقرب للعدل والحكمة أن العادل الحكيم لم يرسل أحدا في أي زمان أومكان ووضع في كل انسان أوحيوان أو انس أو جن بالتساوي غريزة وعقلا يوجهها نحو الافضل لا تحتاج لا لغة ولا معجزة أم أنه أرسل رسلا في أزمنة سابقة واختص لغات بعينها لنقل ما يريد للبشر ثم قرر التوقف فجأة زمانا ومكانا عن تكرار نفس الشيء الذي ارتضاه لبعض خلقه ومنعه من الآخر، المنطق القرآني يناقض نفسه وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه أو لم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى {١٣٣} ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى {١٣٤} {ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله} قبل محمد الرسول {لقالوا} يوم القيامة {ربنا لولا} هلا {أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك} المرسل بها {من قبل أن نذل} في القيامة {ونخزى} في جهنم (ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله) أي: من قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم (لقالوا) يوم القيامة (ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا) أي: هلا كنت أرسلت إلينا رسولا في الدنيا (فنتبع آياتك) التي يأتي بها الرسول (من قبل أن نذل) بالعذاب في الدنيا (ونخزى) بدخول النار. الآيات هنا واضحة وقد أرفقت التفسير من واقع الكتب حتى لا أتهم باننا لا نفهم معنى الايات من حقنا أن نتساءل نفس التساؤل ونعترض نفس الاعتراض الذي وافق عليه القرآن لقد اعتبر القرآن إرسال الرسول هو الحجة الوحيدة المقبولة حتى إذا توافرت الأدلة ومن رسل سابقين والبينات لكن أعطى القرآن العذر ووضحه وبين ما هو دور الرسول هو إقامة الحجة ولم يقبل البينة أو آثار المعجزة على السابقين كحجة نحن الآن في نفس الموقف لا يوجد رسول.]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإننا ندعو هذا السائل أولا إلى الإيمان بوجود الله تعالى وربوبيته وألوهيته، والإيمان بصدقه فيما أخبر به عن نفسه أو أخبرت عنه به رسله عليهم الصلاة والسلام، وعليه أن يستخدم عقله في التأمل في آيات الله الكونية الدالة على قدرة الله وحسن تدبيره لخلقه وكمال حكمته، وعلى استحقاقه للعبادة وحده والتأمل في المعجزات الدالة على تصديق ما جاءت به الرسل، فكل هذا الكون بنظامه ودقته شاهد على وجود الله، وكل ما حولنا من أرض وسماء وأشجار وأنهار وبحار ومخلوقات أدلة على وجود الله سبحانه، بل الإنسان نفسه أكبر دليل على وجود خالقه، فهو أوجد من العدم، ومر بمراحل وأطوار متعددة في بطن أمه، ثم يخرج إلى هذا العالم ويعيش أطوار حياته، فيتم كل ذلك وفقاً لسنن كونية ثابتة لا تتغير ولا تتبدل، هذا من جانب. ومن جانب آخر فإنه يستحيل عقلاً أن يوجد شيء من تلقاء نفسه دون موجد له، ولتنظر إلى أبسط المخترعات الحديثة، المصباح الكهربائي مثلاً، هل من الممكن أن نتصور تجمع مادته بنفسها صدفة ليتكون منها هذا الجهاز البسيط!!؟ ولو سألت عاقلاً عن سيارة مركبة من حديد ومحركات وعجلات، وغير ذلك من الأمور الدقيقة هل صنعت وركبت بلا صانع لسخر منك، إذا كان هذا مستحيلاً، فكيف يعقل إذن أن نتصور وجود هذا العالم بكل هذه الدقة والنظام دون أن يكون له خالق له المنتهى في صفات الكمال؟!! وإذا تقرر عند العبد وجود الخالق جل وعلا وتأمل في حسن تدبيره لهذا الكون بقدرته استوجب ذلك توحيده والتقرب إليه بالعبادة والسعي في رضا هـ، وذلك يستوجب تصديق من اصطفى من رسله الذين بلغونا رسالات الله، فإن الله خلق الثقلين ليومنوا به ويعرفوه ويستسلموا له ويخضعوا له تمام الخضوع ويعبدوه حق العبادة، قال جل جلاله: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ، قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: إلا ليعبدون أي إلا ليقروا بعبادتي طوعاً أو كرها. ً وقال ابن جريج ومجاهد في تفسيرها إن معناها إلا ليعرفون، قاله ابن كثير والقرطبي والبغوي، ومن الأدلة على الإيمان بوجود الله وربوبيته وألوهيته أيضا ما أنزله الله من الآيات البينات في كتابه العزيز.

قال تعالى: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران:١٨] .

وقال تعالى: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ [الأنعام:٣] . وقال تعالى: أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا [الأنبياء:٤٣] .

فقد شهد الباري عز وجل بوجوده، وأنه إله الكون وخالقه، وكفى بالله شهيداً، قال تعالى: أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [فصلت:٥٣] .

وقد حث الله تعالى الخلق على تدبر هذا الكون ومعرفة أسراره ليستفيدوا من ذلك الإيمان بخالقهم سبحانه، قال تعالى: وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ* وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذريات:٢٠-٢١] . وقال تعالى في معرض الحديث عن الدلائل على وجود الخالق ليقر العباد بطريق الإلزام بربهم سبحانه وتعالى، فيعبدوه وحده لا شريك له.. أقول: قال تعالى: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ* أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ [الطور:٣٥-٣٧] . فالله عز وجل يقول لهؤلاء المنكرين خالقهم: أنتم أيها البشر موجودون، وهذه حقيقة لا تنكرونها، وكذلك السموات والأرض موجودتان ولا شك في ذلك.

وقد تقرر في العقول أن الموجود لا بد له من موجد، وهذا يدركه راعي الإبل في الصحراء فيقول: إن البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج ألا تدل على العليم الخبير.

فكيف لو قال شخص: إن السموات والأرض أو هو نفسه قد وجد دون خالق مدبر حكيم عليم بيده مقاليد كل شيء؟!! قال تعالى: قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ* سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ* قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ* سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ* قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ* سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ [المؤمنون:٨٤-٨٩] . فإذا تقرر هذا فاعلم أن مما اتفق عليه أصحاب العقول السليمة أن تصرف المالك في ملكه يسمى عدلا، فالله تعالى عدل حكيم وهو أعدل من ملك فلا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، ولا يسأل عما يفعل وهو أرحم الراحمين، وكل شرع الله تعالى وأقداره عدل وصادر عن حكمة بالغة ولو توهم البعض أنه ليس بعدل، فالله هو العليم الخبير خالق العباد، والعالم بما يصلحهم وما يفسدهم، وما ينفعهم وما يضرهم، أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ {الملك:١٤} فلا بد من التسليم لأمر الله وحكمه، والانقياد لشرعه والاعتقاد بأن كل ما شرع الله وقضاه مبني على الحكمة التامة، وأنه تعالى لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وكل ما جاء في القرآن كلام الله وهو صدق وعدل لا تبديل فيه ولا تحريف ولا زيادة ولا نقص؛ كما قال الله تبارك وتعالى: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً. وقال تعالى: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً. وقال تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. فهو صدق في الأخبار عدل في الأحكام. وقد اصطفى الله محمدا صلى الله عليه وسلم وأرسله للثقلين وختم به الرسل فلا نبي بعده صلى الله عليه وسلم، كما قال الله تعالى: ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما [الأحزاب:٤٠] . وقال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: فضلت على الأنبياء بست، أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون.

وفي صحيح مسلم أيضا أنه قال: إن لي أسماء، أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب الذي ليس بعده أحد. وفي رواية: والعاقب الذي ليس بعده نبي، وقوله صلى الله عليه وسلم: يحشر الناس على قدمي. وفي رواية: على عقبي. أي يحشرون على أثري وزمان نبوتي ورسالتي، وليس بعدي نبي، وقيل: أي يتبعونني، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي بن أبي طالب: أنت مني بمنزلةهارون من موسى إلاأنه لا نبي بعدي. إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على أنه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، وقد أجمع المسلمون على ذلك. ويجب الايمان بأن لله تعالى الحكمة البالغة في تفضيل بعض خلقه على بعض وتخصيص بعضهم بمزايا دون بعض، فهو سبحانه وتعالى الفعال لما يريد، يخلق ما يشاء ويختار، ما كان لهم الخيرة من أمرهم، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون. ولهذا فإنه سبحانه وتعالى يفضل بعض الأزمنة على بعض كما يفضل بعض الأمكنة على بعض وهكذا الناس والأشياء، يقول الله سبحانه وتعالى: الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير [الحج:٧٥] ، ويقول الله تعالى: تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات [البقرة:٢٥٣] ، ويقول تعالى: وربك أعلم بمن في السماوات والأرض ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داوود زبورا [الإسراء:٥٥] . ومن هذا الباب اتخاذ الله إبراهيم خليلا كما قال الله تعالى: واتخذ الله إبراهيم خليلا [النساء:١٢٥] ، ومنه كذلك تكليم الله لموسى، كما قال الله تعالى: وكلم الله موسى تكليما [النساء:١٦٤] ، ومنه تفضيل الرسول صلى الله عليه وسلم على غيره وختم النبيين به فهذه وما أشبهها من خصائص يختص الله تعالى بها من يشاء من خلقه، كما قال الله تعالى: يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم، وقد شاء الله بحكمته أن يتوفى نبيه ويترك لنا القرآن وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لنرجع إليهما عند الحاجة، وقد كلفنا بتعلمهما وتعليمهما لمن بعدنا، فلئن غابت عنا شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم فإن شرعه المتمثل في الوحي من الكتاب والسنة المحفوظ بحفظ الله تعالى: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون [الحجر:٩] ، لا يزال بحمد الله موجود ابين أيدينا، ولا تزال محتويات رسالته معروفة عند العلماء بالشرع، فالعلماء وارثوا رسالته ومعلموها نيابة عنه صلى الله عليه وسلم، فقد قال الله تعالى: قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين [يوسف:١٠٨] . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: بلغوا عني ولو آية. رواه البخاري. فتعلم هذه الرسالة والتمسك بها عصمة لنا من الضلال، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " وإني قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله ". رواه مسلم. وروى الترمذي وصححه الألباني عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهم. ثم إن الناس خلقهم الله مفطورين على التوحيد وحب الخير، ولكن الله رحمة منه بالعباد لم يكلهم لذلك لأن الشياطين تتسلط عليهم فتصرفهم عما فطروا عليه، فأرسل الله إليهم الرسل ليدلوهم على الخير ويحضوهم عليه وينهوهم عن الشر ويرهبوهم منه، فقد روى مسلم عن عياض بن حمار قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم في خطبته: ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا كل مال نحلته عبدا حلال وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب وقال إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك ... فالحاصل أن ختم الرسل بمحمد صلى الله عليه وسلم أمر قدري يجب الرضا به واعتقاد كمال حكمته ولا راد لقضاء الله، وأما ما يحتاجه الناس من إنذار الرسل فقد كلف وارثوهم بالقيام به، وعلى العاقل أن يستنير بالوحي ويتعلمه قبل التفرس بعقله القاصر، وأن يسعى في استخدام عقله في وقاية نفسه من سخط الله وعذابه في الدنيا والقبر والآخرة، وأن يسعى في رضا الله حتى يسعده في الدنيا ويدخله الجنة، ولا وسيلة لذلك الا بالإيمان والطاعة للنبي صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: "من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى " رواه البخاري.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

١١ رجب ١٤٢٦

<<  <  ج: ص:  >  >>