للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[نية البر بالوالدين تغفر الزلة بشرط الصلاح والأوبة بعد الأوبة]

[السُّؤَالُ]

ـ[إخوتي الأفاضل أريد مساعدتكم والله ولي التوفيق.

أنا فتاة أعيش مع أهلي والذين أعتز بهم جدا فهي أسرة مترابطة متحابة بسيطة متواضعة، فنحن كالجسد الواحد والحمد لله فقد مرت علينا ظروف صعبة جدا، وما زالت هذه الظروف ولكن هذه الظروف انعكست على نفسيتي جدا لدرجة أنني أصبحت عصبية جدا جدا ومع هذا حاولت أن أعالج نفسي من هذا الكبت والضغط النفسي والحمد لله نوعا ما نجحت، ولكن النرفزة والعصبية مسيطرة علي أحيانا أكون هادئة جدا وأحيانا من مجرد نقاش بسيط مع أي أحد أغضب وأرفع صوتي مع أنني لا أكون راضية وأحاسب نفسي وأستغفر الله كثيرا، وأضمر في نفسي أن لا أكرر ذلك، ولكن دون فائدة فضميري يؤنبي وخاصة أن أكثر الذين أغضب عليهم والدتي التي أحبها كثيرا أمي التي هي طيبة حنونة لأبعد الحدود، أقسم بالله أنني أحبها ولكن من مجرد أن تناقشني بأي موضوع يضايقني أغضب عليها ولا أتحمل، وأعرف أن هذا حرام ومن عقوق الوالدين ولكن أقسم بالله أنه ليس بإرادتي ولا أشعر بالخطأ إلا بعد أن أهدأ وأجلس مع نفسي وأحاسبها، وأقول: هذه آخر مرة مع أنني واثق أن أمي تسامحني ولا تغضب مني لكن لست راضية عن تعاملي معها. فماذا أعمل والله أنا أحب أهلي كثيرا وسبب حالتي هو من كثر تفكيري بهم، وأحمل مشاكلهم وهمومهم وخاصة أنني لا أستطيع أن أساعدهم في حل مشاكلهم، أريد أن أساعدهم خاصة أمي وأبي فنحن نمر بظروف صعبة ولا أجد مخرجا، فأمي دائما تترضى علي وعلى إخوتي. فهل سيعاقبني الله وأن هذا من عقوق الوالدين الذي يعد من الكبائر الكبرى؟ وكيف أتخطى هذه المعصية مع أنني والله دائما في ندم واستغفار وأتقرب من الله، وادعوه أن يشرح لي صدري ويطهر قلبي ويملأ قلبي بالإيمان. قسما بالله إنني أكتب إليكم وقلبي يبكي ندما ولكن أنا أعرف أن طبعي لن يتغير فقد أصبحت لا أغادر غرفتي خوفا من أن يبدر مني أي تصرف وخاصة مع والدتي أغضبها به، فأنا خائفة جدا ونفسيتي متحطمة جدا من هذا التعامل مع والدتي. فكيف أصلح حالي وكيف أرضي الله وأرضي أمي؟

أنا آسفة جدا لأني أخذت من وقتكم في قراءة رسالتي الطويلة، ولكني كلي أمل أن تساعدوني لأنني محطمة لدرجة أنه أصبحت لدي قناعة أنني لن أدخل الجنة من تعاملي بهذه الطريقة مع والدتي. ولكم مني جزيل الشكر.]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن برّ الأم من أوجب الواجبات، ومن أعظم القربات، ومن أهم أسباب رضا الله، كما أن عقوقها، من أعظم الذنوب ومن أهم أسباب سخط الله.

وقد أمرنا الله بمخاطبة الوالدين بالأدب والرفق والتواضع والتوقير، ونهى عن زجرهما وإغلاظ القول لهما، قال تعالى:.. فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا. {الإسراء:٢٣-٢٤} .

قال القرطبي: (وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا) أي لينا لطيفا مثل: يا أبتاه ويا أمّاه من غير أن يسميهما ويكنيهما. قال عطاء وقال بن البداح التجيبي: قلت لسعيد بن المسيب: كل ما في القرآن من بر الوالدين قد عرفته إلا قوله: وقل لهما قولا كريما ما هذا القول الكريم؟ قال ابن المسيب: قول العبد المذنب للسيد الفظ الغليظ. الجامع لأحكام القرآن.

فالواجب عليك اجتناب مخاطبة أمّك بصوت مرتفع ونبرة غاضبة، فذلك من العقوق الذي نهى الله عنه، وهو من أكبر الكبائر، ويمكنك مجاهدة نفسك لتجنب شدة الغضب والاستعانة بالله على ذلك وكثرة الدعاء والذكر، ولا تدعي للشيطان مجالاً ليخذلك ويوهن عزيمتك ويلقي اليأس في قلبك، واعلمي أنّ الأخلاق تكتسب بالتعود والتمرين، فعن أبي الدرداء قال: العلم بالتعلم والحلم بالتحلم ومن يتحر الخير يعطه ومن يتوق الشر يوقه. رواه الخطيب في تاريخه، وحسنه الألباني.

وإذا بذلت جهدك وحرصت على مرضاة ربك ثمّ غلبتك نفسك في بعض الأحوال وبدر منك ما يسيء إلى أمّك فنرجو أن يكون ذلك مظنّة العفو من الله، قال تعالى: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا. {الإسراء:٢٥} .

قال القرطبي: وقال ابن جبير: يريد البادرة التي تبدر كالفلتة والزلة تكون من الرجل إلى أبويه أو أحدهما لا يريد بذلك بأسا قال الله تعالى: إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ. أي صادقين في نية البر بالوالدين فإن الله يغفر البادرة وقوله: فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا. وعد بالغفران مع شرط الصلاح والأوبة بعد الأوبة. الجامع لأحكام القرآن.

ولمزيد من الفائدة يمكنك التواصل مع قسم الاستشارات بالشبكة.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٠٢ ذو القعدة ١٤٣٠

<<  <  ج: ص:  >  >>