للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[حق الوالدين في المصاحبة بالمعروف ثابت في كل حال]

[السُّؤَالُ]

ـ[يعتمد والداي أسلوب التدليل المفرط لإخوتي فيبذخون عليهم وعلى أسرهم بالمال لدرجة الإفساد، وهذا لاعتقاد والدي ووالدتي بأن هذا الأسلوب يبقيهم بموقع السيطرة، فإخوتي لديهم أنانية مفرطة ولو لم يقدموا لهم الماديات لن يرتبطوا بهم أو يبروهم،ولأن اثنين من إخوتي كانا بوضع صحي خاص في طفولتهم قاما بتدليلهم بإفراط واستمر الأمر ليشمل زوجاتهم وأولادهم ويشمل بقية الأخوة المعافين صحيا، فأصبح الأمر مزمنا ولا يمكن التراجع عنه فهو نمط يتبعونه،وكنت الوحيد الذي اعتمدت على نفسي في تعليمي وزواجي وأرفض الاعتماد إلا على ربي أولا ثم رزقي دون الحاجة لأحد، ورغم تبدل حال والدي المادي وتراجعه كثيرا إلا أنه لم يستطع إيقاف هذا النزيف فالجميع اعتاد الأخذ منه، واستخدام أبي للخدمات، وقد أكرمني الله بوضع مادي أفضل من إخوتي رغم أنهم بأحسن حال وبأعلى مراتب تعليمية ووظيفية وهم أغنياء، والداي يرغبان وبشدة أن أتولى المسؤولية بعد والدي فيستمر مسلسل الإفراط المادي والخدمات، كما ضموا زوجتي واعتقدوا أنها مسؤولة عن خدمة العائلة وزوجات إخوتي وأولادهم، صبرت سنوات طويلة أحسن لهم، أقدم لهم ما أستطيعه مع إفهامهم بالحسنى أن هذا أمر لا يجوز أن يكون بالإجبار، وأنني وزوجتي نساعد بما نريده خالصا لوجه الله ونقدر عليه خاصة أنهم أغنياء وليسوا بحاجة أبدا، بل بالعكس يعيشون بترف أكثر مني أنا ويبذرون ويكثرون من الكماليات والسفر والسياحة، فبدأت أنسحب تدريجيا من هذا الاستغلال الذي يستغلوني إياه وليته بالحسنى ومع حسن تعامل بل مع محاولة فرض أنك مجبر على خدمة الجميع وأنت ذليل وغصبا عنك، فإخوتي للأسف كإخوة يوسف تماما تملؤهم وزوجاتهم الغيرة والفضول لاقتحام أسوار أسرتي والاطلاع على ما فيها ثم الغيرة والحسد والإهانات والمشاكل التي ضقت ذرعا بها، ومع انسحابي التدريجي وإدراكي لما يجري ومحاولتي وضع النقاط على الحروف وإرجاع الأمور لنصابها الصحيح، بحيث أبر والداي، وأتواصل مع إخوتي بالحق ودون استغلال وإهانات بدأ كل من والداي بالإساءة المعنوية لي ولأسرتي، محاولة إهانتنا تتفيه كل ما يخصنا، وتمني الشر لنا، تمني أن أترك عملي وأن أبقى عاطلا، كما بدأوا بالتكتل والعمل كأحزاب ضدنا للأسف بمستوى لا أقبله على نفسي، وظهرت تصرفات نسوية -للأسف حتى من إخوتي الرجال- لا أخلاقية تنافس ومقاطعة ورمي كلام جارح، وتصرفات لا تمت للرجولة، أصبح الأمر لا يطاق وهم يستغلون تديني وأني لا أريد أن أعامل أحدا إلا بالحسنى ولا أريد التصادم مع أحد فتمادوا في إهانتي وتعدوا لإهانة زوجتي والتأثير في نفسية أطفالي، أصبحت الإساءات أشد وتمني الشر مجاهرة، والغريب أن والداي لم يحاولا حث بقية إخوتي على احترامي لأكون لهم سندا بل اتبعوا أسلوب الإجبار وأنك مجبر وتحت الإساءة وتحت الذل لإخوتك أن تخدم الجميع وهذا لأني أصغرهم رغم أني على مشارف الأربعين الآن!

هذه السنة ضقت ذرعا بما يجري ولم أعد أحتمل أكثر فالإساءات عظمت وأنا أحسن وهم يسيؤون بما يؤثر على أسرتي وعلى علاقتي بزوجتي وعلى نفسية أطفالنا، فقررت أن يقتصر تعاملي مع إخوتي دون النساء لأني أريد حماية زوجتي مما عانته منهن، ولكن إخوتي طبعا لم يعجبهم فهم يريدون بيتي فندقا ومتنزها لزوجاتهم وأطفالهم، واختار إخوتي القطيعة التي تغلبت عليها بإرغامهم على السلام والكلام حين ألقاهم في الشارع أو المسجد ولكن نفوسهم تحمل علي كثيرا ولا يوجد أدني محبة -هي لم تكن محبة أصلا وإنما علاقة استغلال-

وأما والداي وهم من يخصهم السؤال، أصبحنا نزورهم زيارات قصيرة وسريعة ومتباعدة قليلا لكي لا أترك للإساءة مكانا، ولكنهم أيضا لا يتوانون في أي لحظة لتحقيرنا والإساءة لنا ظانين أن هذا الأسلوب سيرضخنا لرغبتهم بأن نكون خدما وممولين لبقية العائلة على غير حاجة.

أحاول أن ألاطفهم أن أهديهم أتصل بهم، أضحكهم أمازحهم ولكنهم لا يرضون وبالعكس يسيؤون لي، فإما خادم لإخوتي المسيئين وإلا فمغضوب علي، أنا منذ فترة اغتربت. ما حدود التواصل مع والداي؟ رغم أن أي اتصال لي معهم فإنهم يسيؤون لي وتبدأ أمي بتسميعي أني مقصر مع الجميع، وأني لا أحقق رغبتهم وأتفاجأ بأن إخوتي يطعنون بظهري وينقلون لها كلاما كذبا عني ويحاولون بالكذب والبهتان تشويه صورتي عند والداي وقد حققوا ذلك بالفعل، وأنا أصبر وأحتسب ولكن ما الفائدة وأنا لا أستطيع نيل رضاهم وبرهم فهم يمنعوني من ذلك والبر لديهم أن أحقق رغبتهم تلك وهي فوق طاقتي واحتمالي.

إجازتي عندهم تكون كالجحيم إذ يقتنصون الفرص لإهانتي ولقطع طريق البر علي؟

حتى أن عملي في الخارج الآن هم له كارهون لأنه يدر علي رزقا جيدا، يصر والدي أن أترك العمل وأعود وأن أعيش كإخوتي وبينهم وفقط، وقد سئمت من كثرة إلحاحه على هذا الأمر دون وجه حق، بينما يتمنى لإخوتي الاغتراب.

سؤالي: كيف أبر والداي وهم يرفضون بري بشكله الطبيعي ويأبونه إلا بطريقتهم؟]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلنبدأ بمحل السؤال وهو ما يتعلق ببر الوالدين فإن هذا الأمر من أوجب الواجبات على الولد حيث عظم الله تعالى من حقهما عليه وقرنه بحقه فقال: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ. {لقمان:١٤} . فيبقى هذا الحق ثابتا لهما كيفما كان حالهما تجاهك من الإساءة.

ونوصيك بالصبر عليهما والاجتهاد في مداراتهما وصلتهما بما يمكن من الزيارة أو الاتصال عليهما أو الإهداء لهما ونحو ذلك، وإن كنت تتضرر من كثرة زيارتهما فلا بأس بتقليلها.

وأما أمر الإنفاق فلا يلزمك شرعا الإنفاق عليهما ما داما غير محتاجين، ولا يلزمك أيضا الإنفاق على إخوتك خاصة وأنك ذكرت أنهم ينفقون الأموال في الترف والبذخ، ولا يلزمك طاعة والديك فيما يلحقك منه ضرر كأمرهما إياك بالإنفاق على إخوتك، لأن الطاعة إنما تكون في المعروف كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم والحديث في الصحيحين، وليس من المعروف أن يأمر الوالدان ولدهما بما فيه ضرر عليه.

وقد سبقت لنا عدة فتاوى في ضوابط بر الوالدين فراجع منها الفتاوى ذوات الأرقام التالية: ٥٩١٠٤، ٦٦٤٣١، ٧٦٣٨١ وإذا غضب منك والداك بغير وجه حق فلا يعتبر ذلك عقوقا منك لهما.

وما حصل لإخوتك من أمر التدليل فهو نتيجة لعدم اعتدال الوالدين في أمر التربية، وما يحدث من هؤلاء الأولاد من حياة الترف ومحاولة الاعتماد على الغير فمن الحصاد المر لما زرعه أبواك، والأغرب في الأمر أن يستمر والداك في محاولة تدليلهم وإصرارهم على إنفاقك عليهم.

فنوصيك أيضا بالصبر على إخوتك، وإن كنت تصلهم وهم يقطعونك فأنت السابق للخير، روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك.

وإن أمكنك مناصحتهم بطريق مباشر من باب الشفقة عليهم فافعل، ويمكنك أن تستعين ببعض العقلاء من أهلك كالأعمام والأخوال وغيرهم من الفضلاء في محاولة الإصلاح، ولا تنس أن تكثر من دعاء الله تعالى.

وأما زوجتك فلا يلزمها شرعا أن تصل إخوتك أو زوجاتهم إن لم يكن بينها وبينهم رحم، وعلى فرض وجود الرحم فيجوز لك منعها من زيارتهم ويجوز لها هي الامتناع من زيارتهم إن كانت تتأذى بهذه الزيارة.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

١٠ شوال ١٤٣٠

<<  <  ج: ص:  >  >>