للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[مشروعية التلطف واللين في مجادلة الوالدين لاتقاء غضبهما]

[السُّؤَالُ]

ـ[أبي توفي وكنت أنا مسافرة، وكنت في أواخر أيام أبي كنت مختلفة معه في موضوع هو في مصلحته، واشتد الكلام بيني وبينه وتوفي بعدها، أفيدوني يجزيكم الله خيرا هل أبي بذلك الأمر غضبان علي؟ مع العلم أني أدعو له يوميا في صلاتي وختمت له، قرأت القرآن كاملا، وأقوم بالتصدق على روحه، مع العلم أني حلمت ذات مرة بأبي ونظر إلي نظرة توحي أنه غضبان، فقلت له كأني استعطفته في الحلم: أبي إني أقرأ لك القرآن، أنت تعلم بذلك فأجاب أبي وظهره لي، وأجاب بصوت حزين: نعم أدري أنك تقرئين لي القرآن. أفيدوني؟]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا ينبغي أن يشتد كلام الابن مع أبيه مهما قال الأب أو فعل، فقد أمر سبحانه ببر الوالدين والإحسان إليهما والتلطف في الكلام معهما، ونهى عن كل ما يخدش مشاعرهما ولو كان قليلا مثل قول: أفٍ. فقال سبحانه: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً* وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً. {الإسراء:٢٣-٢٤} .

وما حدث بينك وبين أبيك نرجو ألا يكون قد غضب به عليك، وإنما قد يكون استاء بعض الشيء، وقلبه لا يزال راضيا عنك كما هي عادة الوالدين في محبة الأبناء وحنو قلوبهم عليهم.

وإن كنت تظنين أن ما فعلته معه قد يكون أغضبه عليك فما زال باب التوبة مفتوحا، وبر الوالدين لا ينقطع بموتهما بل هو مستمر مادام الولد حيا، وإن من برك لوالدك ما قد ذكرته في سؤالك من الدعاء له وقراءة القرآن وإهداء ثوابه إليه، وقد ذكرنا أنفع ما يقدمه الولد لوالده بعد موته في الفتوى رقم: ١٨٧٦٠ فراجعيها، وكذلك بينا أن إهداء ثواب القراءة يصل للميت ودليل ذلك في الفتوى رقم: ٢٢٨٨.

واعلمي أن الرؤيا عموما لا ينبني عليها أحكام شرعية كما بينا في الفتوى رقم: ١١٠٥٢. فلا تحزنك هذه الرؤيا التي رأيت فيها والدك وكأنه غضبان منك، فقد تكون من الشيطان لتحزني وتضعفي عن عمل الخيرات لوالدك، أو من حديث النفس والتفكير فيما حدث بينكما، ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الرُّؤْيَا ثَلَاثَةٌ: فَرُؤْيَا الصَّالِحَةِ بُشْرَى مِنْ اللَّهِ، وَرُؤْيَا تَحْزِينٌ مِنْ الشَّيْطَانِ، وَرُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ. فَإِنْ رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ فَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ وَلَا يُحَدِّثْ بِهَا النَّاسَ. رواه مسلم.

فداومي على الدعاء لوالدك وأكثري من التوبة والاستغفار مع حسن الظن بالله، والرجاء بأن يقبل توبتك ويصفح عنك، فقد وعد سبحانه التائبين بقبول التوبة، ووعده حق لا مرية فيه، ومن أحسن الأعمال التي يقبل الله بها توبتك بر والدتك إن كانت حية، وهذا ما قاله ترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنهما لما سأله رجل قاتل عن التوبة، فعن عطاء بن يسار عن ابن عباس: أنه أتاه رجل فقال أنى خطبت امرأة فأبت أن تنكحني وخطبها غيري فأحبت أن تنكحه فغرت عليها فقتلتها فهل لي من توبة؟ قال: أمك حية؟ قال: لا، قال: تب إلى الله عزو جل وتقرب إليه ما استطعت.

قال عطاء: فذهبت فسألت ابن عباس لم سألته عن حياة أمه؟ فقال إني لا أعلم عملا أقرب إلى الله عزو جل من بر الوالدة. رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٢٧ رجب ١٤٣٠

<<  <  ج: ص:  >  >>