للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[صلة الأب واجبة ولو كان يشنع على بناته ويقاضيهن بالباطل]

[السُّؤَالُ]

ـ[أبي وأمي كانا على خلافات دائمة منذ صغرنا، ونحن بنات وكان أبي كثيرا مع أي خلاف مع أمي يعمل لها محضرا بالشرطة، ثم استقروا فترة بدون مشاكل حتى كبرنا وحصلنا كليات قمة.

وقد أودع أبي مبالغ باسمنا في البنك وبنى بيتا وكتبه باسم والدتي وهي تنازلت لنا عنه بعلمه، ثم كبرنا وتزوج بعضنا وتخرجنا وبدأ أبي المشاكل مع والدتي والبخل الشديد معنا حتى إذا رأى أحد أحفاده يأكل لقمة يثور ويغضب. المهم نتيجة خناقة مع والدتى تعدى عليها بالضرب وانفصلا ورفضت أن تعود له، وكنا نكلمه ثم بدأ بالمطالبة بأمواله والبيت.

ودخل في مضمار المحاكم وأمي وأبي كل منهما مصر على ألا يفرط في شيء، وقد تزوج من أخرى، وحاولنا إرجاعه لامي قبل زواجه، لكنه رفض وأمي كانت ترفض أن نكلمه وهو أيضا نفرنا منه بأسلوبه فهو عندما يطلب منا شيئا لا يطلبه إلا عن طريق المحاكم، ويشتكينا في مقر عملنا ويتهمنا أننا نضربه ونسبه ويشتكي أزواجنا، ورفع علينا نفقة مع أنه لا يحتاج ولا يهمه تدمير بيوتنا، وأنا عن نفسي لا أرغب في أمواله ولا أي شيء، ولكن ليس لي إرادة؛ لأن أمي أيضا سوف تغضب علي إن سلمته أي شيء، وأيضا لن أحصل على رضاه لأنه ليس أبا عاديا لكنه صعب جدا يعاملنا كأعداء وليس كبناته اللاتي لم ينجب غيرهن، أخشى أن أموت وأحاسب عليه عندما أراه في أي مكان أخاف منه جدا، وأبتعد وأيضا أخاف أن تعلم أمي أني كلمته فتغضب علي لأنه أي حاجة يقولها للناس وتصلها على طول. أرجو إفادتي هل أنا آثمة؟ هل سيغضب علي ربنا؟ إننى في موقف صعب جدا لا يشعره إلا من مر به ولا أعتقد أن أحدا أبدا مر بهذا الموقف؟]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

فلا شك أن ما يفعله أبوكم – هداه الله – من التشنيع عليكم والتشهير بكم بالباطل، ورفع القضايا عليكم لأخذ أموالكم ومعاملتكم بهذه الطريقة القاسية كل ذلك حرام لا يجوز، وهو يتنافي مع ما أمر به الشرع الوالدين من القيام على الأولاد بما يعود عليهم بالنفع في معاشهم ومعادهم.

وأما ما ذكرت من البخل بماله على بناته فهذا فيه تفصيل، فإن كان هذا مع بناته اللاتي لم يتزوجن وليس لهن مال، فإن فعله هذا لا يجوز إذ من الواجب عليه أن ينفق عليهن حينئذ بالمعروف، وقد سبق بيان ماهية النفقة الواجبة على الأب في الفتوى رقم: ١١٣٢٨٥.

أما من تزوجت منهن فإن نفقتها وأولادها إنما تجب على الزوج ولا يطالب بها الأب.

ولكن مع هذا كله فلا يجوز لكنّ أن تعاملنه بمثل معاملته، ولا أن تفرطن في حقه، فحقه عليكن عظيم وقد قال صلى الله عليه وسلم: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه. رواه الترمذي وصححه الألباني، وقال عليه الصلاة والسلام: رغم أنف رجل بلغ والداه عنده الكبر أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة. رواه الترمذي وصححه الألباني.

ولا يجوز لك أن تطيعي أمك فيما تأمرك به من قطيعته وهجرانه، ويمكنك أن تداريها وتكتمي عنها سؤالك عنه وبرك به. فإن علمت فأعلميها بأن الله جعل له من الحقوق ما لا يسعك تجاهلها أو تضييعها، فإن خفت غضبها فيمكنك أن تستعملي من التورية والمعاريض ما تفهم منه أنك على ما تطلب منك من هجره وقطيعته.

ويراجع في ذلك الفتاوى رقم: ١٨٥٨٤ , ٣٨٣٤٢ , ٢١٢٤٧.

ولا تتعين الزيارة أو المخالطة طريقا للصلة بل يمكنك إذا كنت تخشين أذاه أو ضرره أن تقتصري على السؤال عنه بنحو الهاتف.

أما ما يطلبه منكن من مال عن طريق المحاكم أو غيرها مع غناه فإنه لا يجوز ولا يجب عليكن أن تبذلنه له، ولا يحل له أن يأخذه إلا بطيب نفس منكن.

وأما بخصوص هذا البيت الذي كتبه أبوكم باسم والدتكم فينظر في حاله، فإن كانت الأم قد أحرزته بحيث تتصرف فيه تصرف الملاك، فإنه قد صار ملكا لها، ولا يجوز لأبيكم أن يرجع في هبته هذه للنهي الوارد عن ذلك. وتنازلها عنه لبناتها تصرف صحيح صدر من أهله في محله، فإن قبضنه فقد صار ملكا لهن، وإلا فهو باق على ملك الأم.

أما إذا لم يحدث قبض للبيت من جهة الأم، وإنما كان الأمر كله مجرد كتابة في الأوراق الرسمية، فإن هذه الهبة لا تلزم، وعليه فيجوز لأبيكن أن يرجع فيها. وتمليك الأم هذا البيت لكنّ والحالة هذه غير صحيح لأنها قد وهبت ما لم تملكه بعد.

أما بخصوص الأموال التي وهبها لكنّ الأب ووضعها في البنك باسمكن فهي هبة نافذة، ولكن يجوز له الرجوع فيها لما تقرر من جواز رجوع الوالد فيما يهبه لولده، ويستثنى من ذلك بعض الحالات التي لا يجوز للأب أن يرجع في هبته لابنه سبق بيانها في الفتاوى رقم: ١١٨٧١٦ , ٦٧٩٧ , ومن هذه الحالات ما إذا كان الابن قد دخل بسبب هذه الهبة في تعامل سواء عامل على أساسها أو عومل من الناس على أساسها، وكذا إذا تغيرت الهبة في يده فأحدث فيها زيادة مثلا.

وعليه، فإنه لا يحق له الرجوع في حق بناته اللاتي تزوجن إذا كان الأزواج قد تقدمن لهن وفي اعتبارهم ملكهن لهذا المال، لأن مال المرأة مما يرغب الأزواج فيها، ويجعل للرجل غرضا في التزوج منها، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: تنكح المرأة على إحدى خصال لجمالها ومالها وخلقها ودينها، فعليك بذات الدين والخلق تربت يمينك رواه أحمد وغيره وحسنه الألباني.

فأخبر أن المال مما يرغب الرجل في المرأة.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٠٥ جمادي الثانية ١٤٣٠

<<  <  ج: ص:  >  >>