للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[البر بالآباء في طاقة الإنسان]

[السُّؤَالُ]

ـ[أنا محتارة ومقهورة وحالتي لا تسر حبيبا أو عدوا المشكلة أنه لدي أم لا أدري إن كانت عاقلة أو مختلة ظالمة أو لا مبالية منذ صغري وأنا أمقتها لم أحبها يوما لأنها تفرق بين أبنائها الذكور والإناث تارة وبين الإناث والإناث تارة أخرى تجلس مع هذا لتنم وتتحدث بالشر عن الآخر (يعني أولادها) ليس لديها علاقات مع الجيران أو الأهل فهي تسكن في مدينة بعيدة ولا تلتقيهم إلا مرة في السنة وإذا التقتهم تتحدث عنا بالسوء حتى أصبحوا يكرهوننا وتفعل ذلك لشعورها بالعطف والشفقة منهم وهذا الشعور يرضيها وتفعل نفس الشيء مع إخوتي المتزوجات وغير المتزوجات والذكور والإناث يعني هناك تفكك وكره أسري فظيع إذا تحدث اثنان مع بعض تقول إنهم يتحدثون عنها بالشر بالمختصر لا أحد يكلم أحدا تقريبا إلا للضرورة ليس خصام ولكن أسلوب فرض علينا بطريقة غير مباشرة

أما بالنسبة لي مثلا تحبني في الصباح وتتحدث معي برفق وفي المساء بدون سبب تدعو علي بأسوأ دعاء يمكن أن يتصوره عقلك وعندما تعود إلى الوجه الملائكي أكرهها أكثر وأحيانا لا أكلمها أو أنظر إليها بنظرة احتقار أنا أفقد عقلي أشعر إنني أريد الانتحار من الأشياء الفظيعة إحساسها بالسلطة النفسية علينا وبأن صلاتنا ودعاءنا لا معنى له إلا برضاها ولو ظلمت؟

مرة سألتها أختي بأن تدعو لها فقالت لها إن شاء الله ثم بعد قليل دعت عليها بعدم التوفيق في حياتها وهي تبتسم وتحس بالنصر.

أنا لاطاقة لي ببرها وأشهد الله على ذلك وأريد أن أدعو الله أن لايحملني ما لاطاقة لي به وأن يرزقني زوجا صالحا يخلصني منها وأن يكبر عقلي أو عقلها لكي نستطيع العيش.

أشعر أني لا أريد أن أصلي إذا كانت صلاتي لاتقبل ولا أدعو إذا كان دعائي غير مستجاب.]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

إذا كانت أمك بهذه الصفات التي ذكرت، فهي غير سوّية، كما أن دعاءها على أولادها غير جائز، فعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لَا تُوَافِقُوا مِنَ اللَّهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ. رواه مسلم.

لكن ذلك لا يبرر الإساءة إليها أو التقصير في برها والإحسان إليها، فإن حق الأم عظيم، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي قَالَ: أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أَبُوكَ. رواه البخاري ومسلم.

فعليك بالاستعانة بالله والاجتهاد في برها والإحسان إليها، والدعاء لها، وعدم الاستسلام لمشاعر الكراهية نحوها، والنظر إلى الجوانب الطيبة في سلوكها، وما جعل الله لها من الحق لما لاقته في الحمل والوضع والتربية في الصغر، والحذر من الإساءة إليها ولو بالتأفف أو النظرة الحادة.

ثم اعلمي أنك إن التزمت حدود الله في معاملتها، فإنه لا يضرك دعاءها عليك أو عدم رضاها عنك، واعلمي أن برّك بها مقدور لك، وليس كما تتوهمين أنه ليس في حدود طاقتك، فإن كل ما أمرنا الله به في حدود طاقتنا، وبر الأم من أعظم الأوامر.

أما قولك أنك هممت أن تتركي الصلاة لخوفك من عدم قبولها، والدعاء لخوفك من عدم الإجابة، فهذا من تلبيس الشيطان، فالصلاة من أعظم أمور الدين، بل عدّ بعض العلماء تركها كفراً أكبر مخرجاً من الملة، فالإقدام على تركها للخوف من عدم القبول، مخالف للعقل ومضيع للدين.

والصلاة متى أداها المسلم بشروطها وأركانها فهي صحيحة مجزئة، وقد سقطت عنه المطالبة بها حتى ولو كان عاقا أو عاصيا، وإنما تنازع العلماء في القبول بمعنى الإثابة عليها، وقد تقدم تفصيل ذلك في الفتوى رقم: ٦٥٣٢٧.

ومثل ذلك يقال في الدعاء فهو من أعظم أنواع العبادة فتركه لتوقع عدم الإجابة خسران مبين، وسوء ظن بالله عز وجل، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول دعوت فلم يستجب لي. متفق عليه.

وقد قال تعالى: قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ *قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ {الحجر:٣٧، ٣٦}

وراجعي للمزيد حول الفتوى رقم: ٩٥٥٤.

وأما عن قولك: أشعر أني أريد الانتحار، فننبهك إلى أن الانتحار من أكبر الكبائر، ومما لا يقدم عليه مؤمن، فالمؤمن لا ييأس من رحمة الله أبداً.

نسأل الله أن يهدينا وإياكم، وأن يرزقك بزوج صالح يعينك على طاعة الله.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٢٩ شوال ١٤٢٩

<<  <  ج: ص:  >  >>