للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[موقف الأولاد من أمثال هذا الأب]

[السُّؤَالُ]

ـ[أبي فظ معنا ومع أمي كثير الغضب كثير الإهانة والضرب لأمي بدون أي سبب بالرغم أنها تحبه وتحب دائما إرضاءه. بالنسبة لي في أغلب الأحيان يمنعني من الصلاة في المسجد ومن إعفاء اللحية بدعوى أنه يخاف علي من الشرطة والسجن. بالنسبة لعلاقته مع ربه غارق في الشرك يذبح لغير الله وينذر لغيره ويتوسل ويستغث بغيره دائم المبيت والخلوة في مزارات الأولياء بدعوى أنه يريد أن يصبح وليا صالحا. يدعي أنه يداوي وأنه طبيب ويأمر من يستشيره في مرض أن عليه ذبيحة وزيارة إلى ضريح الولي فلان. لقد كرهناه لأجل تصرفاته وشركياته. كيف يكون موقف أمي منه؟ كيف يكون موقفي منه لأنني دائما أدعوه إلى التوحيد وآتيه بكتب التوحيد ولا يريد أن يقرأها بدعوى أنها كتب خاطئة وأنه هو على الحق؟ هل تجوز الصلاة خلفه؟ هل يجوز أكل ذبيحته في عيد الأضحى وفي سائر الأيام؟]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

أما أمر والدك لك بحلق اللحية وترك الصلاة في المسجد، بدافع الخوف عليك، فهذا وإن كنا لا نقره، إلا أنه قد يعذر فيه، وأما إساءة معاملته لك ولأمك فهو أمر مؤسف، لكنه لا يستغرب ممن يسيء معاملة ربه، فيستغيث بغير الله ويذبح لغير الله، بل يأمر غيره بذلك، وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من فعل ذلك ملعون، فعن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لعن الله من ذبح لغير الله. رواه مسلم.

ولكن مهما كان من سوء خلقه وظلمه لك أو لأمك، فإن ذلك لا يسقط حقه عليك في البر وعدم جواز مقاطعته أو الإساءة إليه، قال تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِير * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا {لقمان:١٤،١٥}

ومن البر به أن تستمر في نصحه بالرفق ولا تكثر عليه الجدال ولا تغلظ له القول، وتجتهد في الدعاء له بالهداية، واعلم أن إحسانك إليه وطاعتك له في غير معصية، أبلغ في التأثير عليه من كثير من الوعظ والمجادلة.

وأما عن أمك فإن عليها أن تعاشره بالمعروف وتطيعه فيما لا يغضب الله، وتتلطف في نصحه وتحذيره من مسالك الضلال ومزالق الشرك، مع الاستعانة بالله والدعاء له بالهداية، فإن لم يتغير، واستمر على إيذائها، فإن لها أن تطلب الطلاق، بعد استشارة عقلاء أهلها، واستخارة ربها.

وأما عن حكم الصلاة خلفه وحكم ذبيحته، فإن الأصل صحة صلاة المبتدع وحل ذبيحته ما لم تخرجه بدعته من الإسلام، والحكم بالكفر يتوقف على تحقق شروط وانتفاء موانع وقيام حجة وإزالة شبهة، وعلى ذلك فإن تبين لوالدك الحق وأصر على هذه الأعمال الشركية، فإن الصلاة خلفه لا تصح، ولا تحل ذبيحته، ويجب التفريق بينه وبين زوجته، وفي هذه الحالة يمكنك تجنب الصلاة خلفه وتجنب أكل ذبيحته، دون أن تعلمه بذلك إذا كان يترتب على علمه مفسدة كبيرة.

وننصح السائل أن يتحصن بالإيمان الراسخ والعلم النافع، ويحرص على مخالطة المصلحين، الذين يحسنون الدعوة إلى الله، ويجيدون فن تأليف القلوب، لعل الله يجعله سبباً لهداية والده.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٠٩ رمضان ١٤٢٩

<<  <  ج: ص:  >  >>