للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[لا مانع من نصح الوالدين مع مراعاة غاية الأدب واللين]

[السُّؤَالُ]

ـ[أنا شاب في الثلاثينات من عمري والدي في الستينات من العمر أرعاهما وأحبهما وأتمنى رضاهما وحرمت نفسي من أمور كثيرة من أجلهما ومنها الزواج. لكن المشكلة أن والدي قليلا الصبر وعصبيان جدا حتى بينهما حيث كل منهما ينام في غرفة من كثرة شجارهما اليومي الكلامي. حيث يعاملاني أنا وكأني مازلت طفلا أو صبيا لا يعرف التصرف وكثيرا النقد والانتقاص من شخصيتي في أي عمل أقدم عليه حتى أمام أصدقائي وفي عملي أيضا حيث لا يأبه أبي لأي شخص إن كان موجودا ويقوم بإلقاء اللوم والانتقاص وإبداء آرآئه المعارضة لي. ويتعصب ويغضب بسرعة كبيرة جدا إذا جادلته أو ناقشته في الموضوع الذي أعلم علم اليقين أنه غير مصيب فيها ولكنه لا يقتنع ولا يرضى أن يقتنع حتى بعد أن يتبين له الموضوع وإن كنت على صواب لا يقبل الاعتراف بأني كنت محقا وهو غير ذلك. وإذا قمت بتذكيره بأنه كان رأيه غير صواب عصب أكثر وأهانني أكثر. إني أعاني كثيرا جدا مع أبي لأنه متسلط نفسيا علي. ولا أخفي أنه أعطاني الحرية في العمل عندما كنت صغيرا وأفادني هذا حتى أصبحت تاجرا ناجحا وميسورا والحمد لله, علما أني المعيل الوحيد للعائلة وأشاطر والدي في الأرباح السنوية مناصفة علما أنه لا يعمل معي ولا يعلم بتفاصيل عملي. ولكن من مبدأ (الولد وما يملك ملك لأبيه) سعيا إلى رضاه مني لأن رضا الله من رضا الوالدين. لكن المشكلة كما قلت هو أنه لا يحسب لي حسابا ولا يكن لي الاحترام أمام أصدقائي لا أعرف لماذا وكل ما يحدث ذلك أتألم وأنطوي على نفسي لفترة ولا أختلط معهم كما كنت فيحس والدي ويندم لفترة ونجلس وأنا أكلمه وليس هو ويقول لن يتكرر ذلك لا تحزن. ولكن يمر أسبوع واحد على الأكثر وبعدها يعود والدي إلى ما كان عليه. حتى أصبحت أنا معزولا عن أصدقائي وحتى في البيت لا يزورنا أحد حتى أقرباؤنا بسبب تصرفات والدي معهم أيضا. هذا الأمر أثر في نفسيا وكذلك على أخواتي البنات بسبب عدم زيارة أحد لنا حتى الجيران فنحن في عزلة وهذا الأمر ترك آثارا نفسية فينا بدأت تتراكم وتتخزن حتى أني أخجل أن أكلم أصدقائي عن المشكلة لأني أرى أن الأب له قدسية ولا يمكن التكلم عليه وانتقاصه. ولكن قبل أيام انفجرت ولم أعد أتحمل وواجهت أبي بكل أفعاله وتصرفاته التي أدت بنا إلى هذه العزلة والحالة وطالبته بتغيير أسلوبه ورفعت صوتي. وكالعادة عصب وأهانني ولم يقتنع بكلامي وهددني بأن لا يرضى عني. والله أعلم بما أقدمه لهم وكيف أخدمهم وأرعاهم من دون إخوتي كلهم علما أن لي أخوان اثنان أكبر مني أحدهما سافر خارج البلد وتركنا منذ ٩ سنين والآخر متزوج ولا يعيش معنا وأنا الذي أرعاهم الآن مع أخواتي الأصغر مني. والآن لا أعرف ماذا أفعل إني نويت أن أسافر وأتركهم ولكن مشكلتي أن صلة الرحم من طرفي لأهلي لا تسمح لي أن أهجرهم لأني أعلم أنه من بعدي سوف يعانون من مشاكل كثيرة وأخاف الله أن أكون من العاقين أناشدكم الله وجهوني ماذا أفعل وهل أنا أكون عاقا إذا هجرتهم. أم أبقى معهم وأتحمل الإهانات والانتقاصات واللوم على أتفه الأمور التي لا تستحق أن تذكر؟]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فاعلم أخي الكريم أن طاعتك لوالديك وبرك بهما من أعظم الأعمال الصالحة التي ينبغي أن تحافظ عليها، وأن لا تضجر ولا تسخط مهما عملا معك، وإذا أحببت محاورتهما فليكن حوارك لهما بالحسنى، فقد قال تعالى: فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا {الإسراء: ٢٣} وقال تعالى: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا {النساء: ٣٦} وقال تعالى: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا {البقرة: ٨٣} والوالدان أولى الناس بذلك، فإذا أحسست بظلم منهما في معاملتك فلا مانع من نصحهما مع مراعاة غاية الأدب واللين بما لا يؤدي إلى عقوقهما، فإذا أدى النقاش والحوار إلى إساءة الأدب معهما وجب عليك الإمساك عنه، وانظر الفتوى رقم: ٤٣٨٧١، ونذكرك يا أخي الكريم بما أوردناه في الفتوى رقم: ٧٣٤١٧.

وأما سفرك للتجارة فإن كان عندهم من يرعاهم ويتولى مصالحهم فلا إثم عليك في السفر كما سبق تقريره في الفتوى رقم: ٦٦٦٦٦، ولكن عليك أن تتلطف بهما، وتحسن عرض القضية عليهما حتى تنال رضاهما، وإن كنت مستغنيا عن السفر فلا شك أن مقامك عندهما تقوم بحوائجهما وترعى مصالحهما هو الأولى والأفضل، وأما هجرهما والإعراض عنهما فلا يجوز بحال، لا في حال بقائك عندهما ولا في حال سفرك وذهابك عنهم، رعاك الله ووفقك.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٢٨ ربيع الأول ١٤٢٧

<<  <  ج: ص:  >  >>