للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[كيف يبر الشخص أبويه بعد موتهما]

[السُّؤَالُ]

ـ[أمي توفيت وهي ساخطة علي لأنني لم أكن أزورها ولكن السبب في ذلك أنني أكرهها فهي رمت بي عند ولادتي من زنا ولم تربني قط بل ربتني عائلة أخرى ومع ذلك لما كبرت واشتغلت كنت أرسل لها المال رغم كرهي لها وعدم تحملي رؤيتها فذلك فوق طاقتي بحكم أنني لم تكن تربطني بها أية عاطفة (فالمحبة تنشأ بين الطفل ووالديه بحكم تربيتهم له وحرصهم عليه وحمايته) وفاقد الشيء لا يعطيه إلا أنني أخاف عذاب الله وأقول مع نفسي أن كل الأعمال التي أقوم بها من صلاة وصيام وزكاة وكل معاملاتي لن يقبلها مني الله فما علي إلا انتظار عذاب الله لارتكابي كبيرة من الكبائر وعلي ترك جميع واجباتي الدينية لأنني لن أؤجر عليها, أفكر في الانتحار لأنني أقول أنني سأعذب في كبيرة ليس لي يد فيها فكيف لي أن أحب إنسانة ولدتني من سفاح أولا ثم رمتني ثانيا فأنا لو أنها اعتنت بي وربتني لكنت أقبل الأرض التي تمشي عليها فبماذا تنصحونني جازاكم الله خيرا]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله أن يغفر لوالدتك، ويتجاوز عنها، وعليك أن تتوب إلى الله من عقوقها، والتقصير في برها وصلتها، وقد بقي لك من برها الدعاء لها، لما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له.

وروى الإمام أحمد: أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هل بقي علي من بر أبوي شيء بعد موتهما أبرهما به؟ قال: نعم، خصال أربع: الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا رحم لك إلا من قبلهما. الحديث رواه أبو داود وابن ماجه، وفي إسناده ضعف، ولكن يعمل به في هذا الموضع.

فأكثر من الدعاء لها بالمغفرة والرحمة وتصدق عنها إن استطعت، ولا تذكرها إلا بخير، فالميت قد أفضى إلى ما قدم، واعلم أن باب التوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها، وحتى تبلغ الروح الحلقوم، فبادر بالتوبة إلى الله من هذه الكبيرة، وأحسن الظن به سبحانه، وأكثر من الأعمال الصالحة، فإن الحسنات يذهبن السيئات، وإياك والقنوط من رحمة الله، فالله يغفر الذنوب جميعا، بل ويبدل سيئات من تاب إليه إلى حسنات، ولا يضيع سبحانه أجر من أحسن عملا،

وأما ما تحدثك به نفسك من ترك الواجبات الدينية أو الانتحار، فإنما هو من الشيطان ليوقعك في أشد مما وقعت فيه، وليصدك عن سبيل التوبة، فكن منه على حذر، واستعذ بالله من همزه ونفثه ووسوسته، واعلم أن حق الوالد على الولد لا يسقطه تقصير الوالد في حق ولده.

وفقك الله لما يحب ويرضى.

والله أعلم

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٠٧ صفر ١٤٢٧

<<  <  ج: ص:  >  >>