للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[قواعد ومسائل في بر الوالدين]

[السُّؤَالُ]

ـ[أنا شاب عمري ٢٥ عاماً من اليمن، جامعي متزوج وعندي ولد أكرمني الله به في رمضان الماضي، مستقر في حياتي الزوجية والعملية ولله الحمد، وأنا أكبر أولاد أبي، ولي أخوان صغيران عمرهما سنة تقريباً من زوجة أبي الثانية.

مشكلتي بدأت قبل سنتين ونصف تقريباً عندما التحقت بالعمل بإحدى المؤسسات، وأراد أبي أن يأخذ جزءاً من الراتب (أقل من الثلث بقليل) بحجة أن هذا إيجار عليك وعلى زوجتك المقيمة في اليمن، بالإضافة إلى أنه يحتفظ ببطاقة الصراف الآلي الخاصة بحسابي بالبنك بحجة محافظته على راتبي من الضياع، ويعطيني منه مصروفاً يكاد يغطي مصاريف البترول من وإلى العمل، ويخبرني بأني إذا أردت أي مبلغ آخر، أخبرني لماذا، وإذا وافقت سأعطيك سواء كانت هذه المصاريف الخاصة لزوجتك أو تعطيها لأمك المنفصلة عن أبي (بدون طلاق) والمقيمة في اليمن، أو غيرها من المصاريف، مع العلم أن أبي يكفيهم مصروفاتهم الأساسية هناك.

بعدها بفترة زاد أبي المبلغ الذي يأخذه مرة، ثم زاده مرة أخرى حتى وصلت إلى ثلث الراتب، ونقص علي المصروف الخاص بي، بالإضافة إلى معاملتي كأني لا شيء ورأيت أن الهدف من كل هذا مادي بحت، وأن العلاقة بين الأب وابنه تحسب بالأرقام فقط، وكلما ناقشته في هذه النقطة يقول: \"أنت ومالك لأبيك\"، (حتى دراستي الجامعية كانت بالمجان.. وزواجي أنا دفعت تكاليفه كاملة والحمدلله، وأبي حالته المادية والصحية لا بأس بها والحمدلله، فزادت المشاكل بيننا بدون أن أرفع صوتي أو يدي ولا زلت على هذه الحال والحمدلله، لكن أبي يعرفه القاصي والداني، لا يقبل النقاش وهو معروف بأنه عنادي جداً جداً لأبعد الحدود وصاحب مشاكل،، المهم أنه كان علي ضغط نفسي شديد وقتها، بعدها خيرني أبي إما تقبل هذا الوضع، أو تبحث لنفسك عن حياة أخرى، وطبعاً نظراً لكل هذه الظروف أنا خرجت من عنده، وبعدها أبي حاول أن يسجنني، وبالفعل سجنني لمدة خمسة أيام، واستطعت أن أخرج من السجن دون معرفته بذلك، لأنه كان يريد أن يعيدني إلى اليمن رغم أني ولدت هنا وعشت حياتي كلها هنا، طبعاً تجاوزت هذه المرحلة وبدأت حياتي الخاصة، وأحضرت زوجتي للإقامة عندي بعد أن طردها أبي من بيته في اليمن، وأبي يقاطعني مقاطعة كاملة (لا زيارات مسموحة ولا تليفونات، حتى أخواتي المتزوجات وغير المتزوجات منعنهن أن يكلمنني، حتى أمي منعها، ولكن طبعاً أكلمهم بالسر دون أن يعلم الوالد، ووسطت أكثر من مرة أهل الخير للصلح مع أبي بأي طريقة..أي طريقة إلا أن أرجع إلى البيت، ولكنه رفض ذلك.. المهم بعد محاولات عدة (استمرت سنتين!) وافق أبي على الصلح بشرط أن أعود عنده في البيت مع زوجتي وولدي وبنفس الشروط السابقة، رغم أني كنت أشترط على أطراف الصلح الوعد بأي شئ للصلح ما عدا أن أعود عنده للبيت..

والآن أنا في حيرة شديدة، أريد أن أبر أبي وأصطلح معه، لكني متأكد تماماً من المشكلات الكبيرة التي ستقع بيننا في حالة عودتي للبيت، سواء بيني وبين أبي لأني بعد أن ذقت طعم الحرية قد لا أستسيغ العودة إلى التقييد مرة أخرى، أو بين زوجتي وزوجة أبي مع العلم بأن زوجة أبي أصغر مني،، وبصراحة لا أحد ممن يعرفون أبي حق المعرفة نصحني بالعودة، وإنما بمواصلة حياتي مع البر به بأي طريقة أخرى مادية أو معنوية، أمي تقول إنها لا تريدني أن أكون وزوجتي الضحية كما كانت هي.. ولكنها مع ذلك على الحياد، وزوجة أبي لا أعرف خيرها من شرها، وأنا على قناعة تامة أني قد لا أستطيع أن أبر أبي إذا عدت للبيت نظراً للحساسية العالية بيننا الآن، لأن أي شرارة تجلب أكبر مشكلة، فما العمل؟

ملاحظة: بعد أن خرجت لأول مرة من عند أبي، وبعد تدخل أحد الوجاهات الاجتماعية جمع بيننا وأجبرنا على الصلح، وبالفعل عدت عند أبي بالبيت ووقتها كنت لوحدي فقط، ولكن للأسف أبي طردني من البيت بعد أسبوع واحد فقط وفي منتصف الليل لأنه طلب أن أعطيه كشف حسابي بالبنك وأنا رفضت ذلك.

أفيدونا..هل نعود؟ أم لا؟

جزاكم الله كل خير ونفع بكم أمة الإسلام ولا تنسونا من صالح دعائكم.]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الشريعة المطهرة قد أوجبت على الولد طاعة والديه وجعلتها من أفضل الأعمال، وحرمت عليه معصيتهما وجعلتها من كبائر الذنوب. قال تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا {النساء: ٣٦} وفي صحيح البخاري من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: يا رسول الله أي العمل أفضل؟ قال: الصلاة على ميقاتها، قلت ثم أي؟ قال بر الوالدين، قلت ثم أي؟ قال الجهاد في سبيل الله. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثاً، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وجلس وكان متكئاً فقال: ألا وقول الزور. أخرجه البخاري ومسلم.

وأوجبت الشريعة عليه أن ينفق عليهما في حال فقرهما لا في حال غناهما، ولم توجب عليه إعطاءهما مبلغاً من المال، وإنما يستحب له ذلك ترضية لهما وكسباً لرضاهما، وراجع الفتوى رقم: ٥٧٨٧٠.

وأما حديث: أنت ومالك لأبيك. فليس كما يفهمه والدك بأنه للتمليك بل هو للإباحة أي يباح للأب أن يأخذ من مال ولده ما يحتاج إليه، وأما المال فهو ملك للابن، وسبق بيانه في الفتوى رقم: ٤٧٣٤٥.

ولذا نقول: ينبغي لك الصلح مع والدك بكل ما يطلبه الوالد مما ليس فيه معصية ولا إضرار بك أو مشقة عليك غير محتملة ولو ببذل شيء من المال، أما العودة إلى البيت فلا تلزمك لا سيما إذا كنت متيقناً من حصول مشاكل، ولا يجوز لك قطع والدك على كل حال، بل عليك صلته على أي حال وإن قطعك.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٠٧ ذو القعدة ١٤٢٦

<<  <  ج: ص:  >  >>