للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[مساعدة الأولاد أمهم وخدمة الرجل في أهله]

[السُّؤَالُ]

ـ[نحن أسرة نتكون من خمسة أفراد, أمي وحدها تقوم بأشغال البيت علما أنها تشتغل كموظفة. لا أحد يعينها لا الأبناء ولا الأب. هل نأخذ إثما فيها؟.

وشكرا.]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن عدم مساعدتكم لها في خدمة المنزل وأشغاله هو من التقصير في برها إن كانت راضية به، فإن كانت تأمركم وتطلب منكم المساعدة ولا تستجيبون فذلك معصية وعقوق تجب التوبة والندم عليه والتماس رضاها ومعذرتها لأن طاعة الوالدين واجبة ما لم يأمرا بمعصية. قال العينى في عمدة القاري: وطاعة الوالدين فرض في غير معصية.

وقال ابن عبد السلام: إن ضابط العقوق إيذاؤهما بأي نوع من أنواع الأذى قل أو كثر نهيا عنه أو لم ينهيا أو يخالفهما فيما يأمران أو ينهيان بشرط انتفاء المعصية في الكل، والأم لها ضعف ما للأب من ذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم للذي سأله: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال ثم من؟ قال: أبوك. متفق عليه.

قال ابن حجر: مقتضاه كما ذكر ابن بطال أن يكون للأم ثلاثة أمثال ما للأب من البر وذلك لعظيم حقها على الوالد وما تحملته من المشاق بسببه.

فتجب مساعدتها فيما تقوم به ولا يجوزالنظر إليها بازدراء وأنها كالخادمة والعاملة، بل إن من أسوإ العقوق وأعظمه أن يزدري الابن بأمه أو بأبيه ويحتقرهما.

قال تعالى: فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ {الإسراء: ٢٣-٢٤} وهي هنا متبرعة بخدمتكم إذ لا تجب على الأم خدمة أبنائها بل تجب عليهم هم خدمتها إذا كانوا كبارا.

قال السرخسي في المبسوط: وخدمة الأب مستحقة على الابن دينا وهو مطالب بها عرفا ويعد من العقوق أن يأخذ الولد الأجر على خدمة أبيه والعقوق حرام.. وكذلك الأم لأن خدمتها أوجب عليه.

كما لا يجب عليها خدمتهم إذا كانوا صغارا. قال ابن القيم رحمه الله: وقد اختلف الفقهاء هل حق حضانة الطفل ورعايته حق للحاضن أم عليه على قولين في مذهب أحمد ومالك فعلى أنها له لا يجب عليه خدمة الطفل إلا بالأجرة، وإن كانت عليه وجبت عليه مجانا. قال: وفي قوله صلى الله عليه وسلم: أنت أحق به. دليل على أن الحضانة حق لها لا عليها. انتهى. بتصرف يسير من زاد المعاد.

وأما الزوج فقد اختلف هل تجب عليها خدمته أم لا، وقد بينا ذلك مستوفى في الفتويين: رقم: ١٣١٥٨، ١٤٨٩٦، ومهما يكن من أمر فينبغي له مساعدتها فيما تقوم به لأن ذلك من عشرتها بالمعروف وفيه أسوة بالنبي صلى الله عليه وسلم كما قالت عنه عائشة رضي الله عنها: أنه يكون في خدمة أهله فيحلب الشاة ويقم البيت ويخصف النعل فإذا أذن المؤذن خرج إلى صلاته.

قال القرطبي: ويخدم الرجل زوجته فيما خف من الخدمة ويعينها لما روته عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكون في مهنة أهله فإذا سمع الأذان خرج وفي أخلاقه أنه كان يخصف النعل ويقم البيت ويخيط الثوب ويحلب الشاة.. الخ.

وقال الغزالي كان يطحن عن خادمه إذا أعيا ويعلف الناضح ويعقل البعير فتلك أخلاقه صلى الله عليه وسلم في بيته، وقد قال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ {الأحزاب: ٢١}

وبوب البخاري في صحيحه لذلك فقال: باب خدمة الرجل في أهله. وساق حديث عائشة لما سئلت ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في البيت قالت: كان يكون في مهنة أهله فإذا سمع الأذان خرج.

فعلى معاشر الأزواج أن يقتدوا به صلى الله عليه وسلم في طاعته لربه ومبادرته إلى تلبية ندائه وفي خلقه مع أهله وخدمته لنفسه وزوجه صلى الله عليه وسلم كما يجب على الزوجات أن يتقين الله تعالى في أزواجهن فحقهم عليهن عظيم وهن مأجورات في ذلك.

وللاستزادة نرجو مراجعة الفتويين: ٢٧١٨٢، ٢٨٩٤.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

١٤ شوال ١٤٢٦

<<  <  ج: ص:  >  >>