للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[طاعة الوالدين في المعروف]

[السُّؤَالُ]

ـ[إنني فتاة حاولت أكثر من مرة أن أذهب إلى والداي لأسمعهما كلمة حب وأنهما أغلى ما لدي من بعد الله والرسول عليه الصلاة والسلام ... وأنني لا أستطيع الاستغناء عنهما وأن لهما مكانة كبيرة في قلبي ... ولكن لم أستطع فعله لشعوري بأنه سيكون مرفوضا وأنهما لن يصدقاني وذلك لما كان لهما من صد من الصغر.. إنني أريد أن أقبل يديهما وأحضنهما خصوصا والدتي لكن هناك شيء يمنعني من فعله ... لم أعتد على حضنها من الصغر ووضحت هذه النقطة لوالدتي لكن لم يحصل أي تغير ... إنني أبكي لعدم تمكني بفعل ذلك ... أريد أن أشعرهما بأنني فعلا أحبهما وأحرص عليهما ... إنني أحاول فعل ذلك عن طريق مساعدة والدتي بأمور البيت ومحاولة توفير الجو الهادئ لها ومساعدتها بتربية أخي الصغير.. أيضا أحاول أن ألتزم بما أمرني به ربي والرسول محمد صلى الله عليه وسلم ... بالرغم من أنهما غير ملتزمين كثيراً ولم يشجعاني من الصغر على الالتزام بالصلاة وإعلامنا بأنها من الأمور المهمة التي يجب فعلها لتحقيق رضا الله سبحانه وتعالى والتي تجلب السعادة والطمأنينة لبناء حياة ناجحة ... والحمد لله الذي أرسل لي صديقة لتحثني على أداء الصلاة ... بعد التزامي بدأ والداي الشعور بأنه لا كلمة ولا احترام ولا تقدير لهما بالرغم أن حبي لهما زاد وكم أتقطع ليلا عندما أشعر بأنني فعلا أريد أن أنطق بقول كلمة إنني أحبكما وأحرص عليكما وأريد تطبيق ما أمرني به ربي حتى أكون بنتا بارة بهما وحتى لا أجعلهما يكسبا شيئا من الإثم عندما يعترضان على فعل ما أمرني به ربي والرسول عليه الصلاة والسلام ... وكي يتبين لكم الوضع جيدا أود أن أعرض عليكم موقفا حصل بيني وبين والدتي حفظها الله: من بعد أن تخرجت من الثانوية العامة قررت والدتي بأن تقيم حفلا بسيطا لذلك وأن تستضيف بعضا من صديقاتها وفعلا اتفقنا وكنا نخطط سويا على إقامة تلك الحفلة لكن كان هناك أمر تريد فعله وهو لا يرضي الله والرسول محمدا صلى الله عليه وسلم ... وهو وضع الأغاني والرقص أمامهم ... لم أقل لها موقفي في نفس اللحظة ... بل عدت إليها بعد يومين وقلت لها.. ماما لي طلب بسيط لديك بخصوص الحفلة بكل هدوء واحترام ... فقالت ما هو ... قلت لها أريد وضع أناشيد دينية خالية من الموسيقى للطلبة الذين تخرجوا من الثانوية العامة بدلا من الأغاني ... فغضبت كثيراً وظنت أنني لا أريد أن يكون لها صديقات وأريد أن أفضحها وأنني لا أحبها ولا أكن لها المحبة أو الاحترام ... وبأن ذلك تشدد بل ظنت أنني سأصاب بالجنون لأنني وصلت لتلك الدرجة من الإيمان وغيره من الكلام الذي لا يطيب الخاطر.... وهناك كلمة كانت ترددها كثيرا منذ أن كنت صغيرة بأنني لا أحبها أعاملها كأنها عدوتي رغم أن إخوتي حاولوا تغيير ما تفكر به ... إنني أحاول قدر إمكاني أن أرضيها لكن من الصعب جدا أن أكون مثالية دائما لذلك إن أخطأت بأمر أو نسيت ... كل ذلك الكلام يخرج منها وكم شكل حواجز بيني وبينها ...

وهناك موقف آخر حصل بيني وبين والدي حفظه الله قبل أيام ... هو كالتالي:

جاء ابن عمتي لزيارتنا من بعد مجيئه من السفر, ولقد طلب مني والدي أن أذهب وأسلم عليه وأهنئه على الخطبة التي قد تمت خلال سفره ... لكنني اعتذرت لوالدي لأنني لا أشعر بالراحة للخروج والسلام عليه والجلوس معكم.... السبب الذي يجعلني غير مرتاحة هو لما فيه من اختلاط وأنني أشعر بأن حيائي يقل كلما كنت أجلس معهم لأننا كنا نخوض في نقاشات ومواضيع ... لذلك قررت بعدم فعل ذلك إلا إذا كان هناك ضرورة أو حاجة لذلك. الآن رفضي لعدم الذهاب جعل والدي يظن أنني لا أحترمه ولا أقدره وبأن ذلك معصية كبيرة.. بالرغم أنني قلت له إنه لا حاجة لي للذهاب. يكفي ذهابك أنت وإخوتي لتهنئته والترحيب به ... قال بل أنا أرى أنه من الحاجة والضرورة للذهاب.. ورغم إصراره لفعل ذلك لم أوافق على تنفيذ طلبه مما أدى إلى غضبه وجعله لا يتحدث إلي.. وإنني أشعر بألم وضيق لما قد حصل ... إنني أريد أن أعيد الحياء الذي فقدته لأنني كنت في مدرسة مختلطة وكان والدي يجعل ذلك حجة للجلوس مع ابن عمتي.. لكن الآن بعد أن انتهيت أريد فعلا أن يعود الحياء إلى قلبي لأنه أساس العفة والجمال في المرأة ولأن الحياء شعبة من الإيمان أيضا ... إنني حاولت إيصال هذه النقطة لهما لكنهم لم يهتما لذلك كثيرا بل هما فخوران لأنني أستطيع التحدث جيدا مع الجنس الآخر وإن كان هناك مجموعة من الناس وأعرضوا عن فكرة الحياء التي يجب أن تكون في الفتاة ... هناك أمر آخر ... بأنني لا أملك اللباس الشرعي المطلوب ... أي جميع ما لدي من لباس يحتوي على زينة ملفتة للنظر وإنني أحاول أن أخفف خروجي من المنزل قدر المستطاع وأن لا يراني الرجال لحين أن يتوفر اللباس الشرعي الصحيح إن شاء الله.. فهل موقفي من عدم تلبية رغبة والدي في الذهاب صحيحة أم لا؟

أسأل الله العظيم أن يكون ذلك وافيا لفهم مشكلتي ... وأسأل الله الميسر أن يجعلكم سببا لحل مشكلتي هذه وأسأل الله الكريم أن يبارك فيكم وأن يجعل أعمالكم خالصة لوجهه.

أرجو أن تسامحوني لأنني أطلت كثيرا عليكم وجزاكم الله خير الجزاء.

أستودعكم الله.]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فبداية نسأل الله تعالى أن يجزيك خيراً على هذا الالتزام، ونسأله سبحانه أن يديم عليك نعمة الإيمان، وأن يجعلك من الصالحات.

كما نشكرك على الحرص على البر بأبويك، ولتعلمي أيتها الأخت أنه مهما بذلت من جهد في سبيل برهما فإنك لن توفيهما حقهما، وذلك لما لهما من عظيم الحق عليك بعد الخالق سبحانه، فهما اللذان كانا سببا في وجودك في هذه الدنيا وهما اللذان تعبا في تربيتك والعناية بك حتى وصلت هذا العمر، وهذا ما يستوجب منك شكرهما عليه، والمبالغة في برهما، قال سبحانه: وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ {لقمان: ١٤} .

وإخرج البيهقي في شعب الإيمان عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه: أن رجلاً من أهل اليمن حمل أمه على عنقه فجعل يطوف بها حول البيت وهو يقول إني لها بعيرها المدلل، إذا ذعرت ركابها لم أذعر، وما حلمتني أكثر، ثم قال أتراني جزيتها؟ قال ابن عمر: لا ولا بزفرة.

فعليك أيتها الأخت بالبر والإحسان إلى أبويك كلما استطعت إلى ذلك سبيلاً، لأن في رضاهما رضا الرب سبحانه وفي سخطهما سخطه.

أخرج البخاري في الأدب المفرد وحسنه الألباني عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: رضا الرب في رضا الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد.

لكن طاعتهما والسعي في مرضاتهما تابعة لطاعة الله عز وجل، فما فيه معصية له سبحانه لا طاعة فيه لكائن من كان، لقوله تعالى: وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا {لقمان: ١٥} .

وفي الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري: إنما الطاعة في المعروف.

ومن هذا تعلمين أن عدم طاعتك لأبويك في ما أمراك به من معصية هو فعل صحيح لا جرم فيه.

ومع هذا، فحاولي إرضاء أبويك، وإعلامهما بأن سبب امتناعك عن طاعتهما في ما أمراك به هو أنه فيه مخالفة للشرع، وإلا لكنت استجبت لأمرهما.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٢٢ ذو الحجة ١٤٢٥

<<  <  ج: ص:  >  >>