للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[صفعه عمه على الملأ فصفعه بمثل]

[السُّؤَالُ]

ـ[أخذ مني عمي سلفة ووعدني أن يقسطها لي بعد ستة أشهر وبعد الموعد سدد قسطين ثم طلب سلفة جديدة وأعطيتها له على أن يسدد بعد ستة أشهر ثانية مع المبلغ الأول ووافقت وبعد المدة المتفق عليها بدأ يماطلني حتى أنه في آخر اتصال قال لي لا تسألني عن فلوسك قبل سنة من الآن وبكل ثقة وتعجرف ووافقت وبعد المدة التي حددها هو أي سنة (وبهذا يكون إجمالي المدة أكثر من ثلاث سنوات) اتصلت عليه لأطلب فلوسي وكنت وقتها في أمس الحاجة لها رد علي بكل جفاء وتكبر وتغطرس ماذا تريد فقلت لقد حان الموعد وأنا في أمس الحاجة للمبلغ ورد علي بلفظ عجيب فيه الكثير من الغطرسة والكبرياء حيث قال لي: اسمع يا ولد لا تتصل علي حتى أتصل عليك.. حينئذ غضبت غضباً شديدا وقلت له سوف آخذ حقي منك يوم القيامة عند المولى الذي لا يضيع عنده شيء.. وبعدها أخبرت الوالد بالقصة والذي بدوره اتصل عليه حتى يرجع لي مالي إلا أن عمي غير الموضوع وقال إنني غضبان من ابنك حيث غلط علي وقال إنني أخذ حقي يوم القيامة..إلخ، وإنه لابد وأن يعتذر فقال والدي حينئذ يا أخي أنا أعتذر نيابة عنه ورفض ذلك بشدة وقال أريد أن يعتذر هو.. وطبعاً حدثني والدي بما دار بينهما وقلت لوالدي لماذا اعتذرت أنت نيابة عني يا والدي فالموضوع لا يحتاج إلى اعتذار فأنا لم أرتكب أي إثم أو ذنب فماذا ينتظر مني من أكل حقي وظلمني وطغى علي بقوله وعمله بعد طول صبر ومماطلة لمدة تزيد عن ثلاث سنوات فهل قولي سوف آخذ حقي منك يوم القيامة يعتبر خطاً فماذا كان يريد مني أن أقول له بعد أن قال ما قال هل يريدني أن أشكره أم أن أقبل رأسه؟؟ حينها قال والدي إنما اعتذرت له نيابةً عنك حتى أنهي الموضوع وأهدئ الوضع.. وبعد ذلك بدأ عمي بتسديد ما عليه وبالتقسيط المريح وعلى مدى تقريباً أربعة إلى خمسة أشهر تقريبا وانتهى الموضوع على ذلك.. وطبعاً هو قطع الزيارة كلياً عن منزلي أو حتى الاتصال علي.. وواصلت ولله الحمد زيارته ولم أقطعه ولم أفكر في ذلك إطلاقاً لعلمي التام بعقوبة قاطع الرحم.. ومرت سنتان على ذلك وحين كنت أقابله كنت أسلم عليه ويسلم علي وأسأل عن صحته ويجاوبني على مضض ولم ألق بالاً لذلك.. وبعد سنتين تحدث معي وقال لي بالحرف الواحد: اسمع لقد تحملتك كثيراً فأنت أخطأت في حقي ولابد أن تحضر إلى منزلي بخصوص للاعتذار عن فعلتك وإلا لا تحضر إلى منزلي أبداً ولا تعرفني ولا أعرفك ولا تخاطبني ولا تذكر اسمي على لسانك ولست بعمك وقلت له وقتها الاعتذار ليس بمشكلة ولكني أريد أن أعرف عن ماذا أعتذر فليس هناك جرماً ارتكبته حتى أعتذر.. فقال لي: لابد أن تحضر إلى منزلي وتعتذر وبعد ذلك سوف نناقش عن ماذا اعتذرت.. وأنا رفضت الاعتذار دون معرف السبب وقلت له: هل أنت مستعد أن تقطع صلة الرحم وتكون مسئولاً عن عملك هذا أمام الله.. قال لي نعم.. فقلت له أنا غير مستعد لأن يحاسبني الله وأن يقطعني لأنه من قطع صلة الرحم قطعه الله ومن وصلها وصله الله وسوف أحضر إلى منزلك لزيارتك كما كنت أفعل في السابق وحينما تراني في منزلك اطردني حينها أتوقف عن زيارتك.. وكالعادة أخبرت والدي ما حصل.. وبعدها أرسل والدي له رسالة يوضح فيها عن عقوبة قطع صلة الرحم وما يترتب عليه.. ولكن لا حياة لمن تنادي.. وبعد فترة كانت هناك وليمة فرح (عقد نكاح) في بيت عمي الآخر وأثناء تواجدي هناك حضر عمي ولم أنتبه لذلك فسألني والدي هل رأيت عمك فقلت له لا فقال إنه خلفك فاترك ما في يدك وأذهب وألق عليه السلام فقلت لوالدي سمعاً وطاعة.. وكان جالساً ومتكأً في وسط حشد من المدعوين وذهبت إليه ومددت يدي وألقيت عليه السلام وقلت له السلام عليكم فنظر إلي وأشار بيده وبكل ازدراء وتعجرف وتكبر بمعنى اذهب عن وجهي.. حينئذ أحسست بألم شديد في صدري أن يهينني هذه الإهانة أمام هذا الملأ وبدأ نار الغضب يشتعل في قلبي ولم أنزل يدي بل أبقيته ممدوداً وقلت له بصوت يدل على غضبي بأن السلام ليس لك وإنما لله سبحانه وتعالى ورد السلام واجب وأشار بنفس الطريقة مرة أخرى وأنا كذلك أستمررت على وضعي وأعدت له قول عبارتي مرة أخرى حينها حضر إلي ابن عمتي ليبعدني وأثناء رغبتي في الإبتعاد وإلاّ أفاجأ بعمي يصفعني بصفعة قوية جداً في وجههي تنم عن حقد كبير في قلبه وأمام الملأ جميعاً وفي أقل جزء من الثانية كانت ردة فعلي فورية حيث رددت له الصفعة مباشرة بالمثل ودون أدنى تفكير بمن أمامي حيث كانت الصفعة قوية جداً وأنستني كل شعور بالاحترام لهذا الرجل الظالم الطاغي وأحسست أن هذا الرجل قد تجاوز كل الخطوط الحمراء وتمادى كثيراً وقام بعدها بمهاجمتي ولم يتمكن مني وكنت أتحاشى أن أمد يدي مرة أخرى وغضب والدي غضباً شديداً على هذا التصرف المشين من عمي (وهو أصغر منه سناً وهو الذي رباه وعلمه) وصفعه بعد أن رفض التوقف عن الاشتباك معي حتى يفيق عن هذا الطغيان وقال له أنا أرسلت لك ابني كيف يسلم عليك ويحييك وأنت ترد عليه بصفعة ... الخ وبعدها تدخل الأهل والأقرباء لفض الاشتباك وحدث هرج ومرج وكان هناك أخي الأكبر مني موجوداً وحاول أن يصلح بيننا وأخيراً هدأ الموضوع وطلب مني أخي الأكبر أن ننهي الموضوع في نفس المجلس وأن أعتذر عن عمي لمبادلته الصفعة وقمت بالواجب وسلمت عليه وقبلت رأسه حتى أنهي الموضوع وكذلك طلب أخي من عمي أن يذهب إلى أبي ويعتذر إليه وكذلك هو فعل ولكن على مضض؟؟!! وطبعاً بعد هذا الموقف قطع زيارة والدي أيضاً..

سؤالي:

هل قولي له سوف آخذ حقي يوم القيامة أو قولي له السلام لله وليس لك يعتبر خطأً أو ذنباً بعد نقضه للعهود ورفضه السلام بغطرسة؟

أليس من الطبيعي أن أرد عليه بالمثل وخاصةً أنه صفعني في وجهي وبكل قوة ودون وجه حق وأهانني أمام والدي وإخواني وأبنائي وجميع الضيوف دون مراعاة لأي شعور او أننا ضيوف في منزل رجل آخر وبظلم صريح وكل ذنبي أنني مددت يدي للسلام عليه؟ ومعروف بأن الإسلام يحرم الضرب في الوجه فما بالك إذا كان ذلك ظلماً وعدواناً وأمام الملأ؟

ما هو موقف الإسلام من مثل هذا الرجل الذي يأمر بقطع الرحم وينقض العهد ويهين الناس ولا يرد السلام؟؟]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد: فليس في قولك " وسوف آخذ حقي منك يوم القيامة" إثم أو ذنب. واعتبار عمك أن هذا القول خطأ في حقه إنما هو عذر تعذر به وتحجج به أمام والدك، ولعل غضبه إنما كان لأجل طلبك لحقك منه، فهذا حال بعض الناس ممن يحبون أكل أموال الناس بالباطل، والعياذ بالله، إن أعطيته رضي، وإن لم تعطه أو طلبت منه حقك غضب، وقد كان الأحرى به حسن القضاء، والسماحة فيه مكافأة منه لجميل صنيعك معه، وتعرضا لرحمة الله تعالى في دعوة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: رحم الله عبدا سمحا إذا باع، سمحا إذا اشترى، سمحا إذا قضى، سمحا إذا اقتضى. وفي صحيح مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن خيار الناس أحسنهم قضاء. وقد أحسنت حيث لم تقابله بالمثل وبقيت على صلتك له وزيارته والله سيأجرك على ذلك، فإنك واصل حقك إذ الواصل هو من يصل من قطعه كما قال عليه الصلاة والسلام: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها. أخرجه البخاري. وأما ما حدث بينكما حسب تصورنا للموقف من خلال كلامك فإن ما فعله عمك من عدم رد السلام وقد مددت إليه يدك مصافحا ومسلما لا يجوز، وظلم بين، وتصرف مشين لا سيما أمام الناس لما فيه من إيلام وإحراج وجرح للكرامة، وكان عليك أن تقول له: إن رد السلام واجب وحق للمسلم على المسلم، ثم تذهب وتتركه يصاب بالخجل ولوم الحاضرين ولكن قدر الله وما شاء فعل، وأما ردك على صفعته بالمثل فيجوز، وإن كان الصبر والعفو أولى وأفضل خاصة وأن المعتدي والظالم هو عمك، وله عليك حق قال الله تعالى: وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ*وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ*إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ * ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور {٤٠ ـ ١٤} . ونحيلك لمعرفة موقف الإسلام ممن يقطع رحمه على الفتاوى التالية أرقامها: ٣١٦١٧، ٣٣٢٨٩، ٣٤٥٦٦. ولاشك أن رد السلام واجب وحق للمسلم على أخيه المسلم قال تعالى: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً {النساء:٨٦} . قال صلى الله عليه وسلم: حق المسلم على المسلم ست، قيل: ما هن يا رسول الله؟ قال: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه. رواه البخاري ومسلم وأحمد والترمذي وغيرهم. ولا يجوز بحال احتقار الناس وإهانتهم فإن ذلك من الكبر المتوعد عليه صاحبه بعدم دخول الجنة، فقد ثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا، ونعله حسنة، قال: إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق، وغمط الناس. معناه احتقارهم. وقد أحسن أخوك حين قام بالإصلاح بينكم، فإن إصلاح ذات البين من أفضل الأعمال، قال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ {لأنفال: ١} . وقال تعالى: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً {النساء:١١٤} . ونوصيك بالاستمرار على صلة عمك والإحسان إليه وعدم قطع رحمه والصبر على أذاه، ولن يزال معك من الله نصير عليه ما دمت على ذلك، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني وأحسن إليهم ويسؤون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال عليه السلام: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهيرا عليهم ما دمت على ذلك. ومعنى " تسفهم المل" تطعمهم الرماد الحار وهو تشبيه لما يلحقهم من الإثم، كما يلحقهم الألم في الرماد الحار.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٠٣ ذو القعدة ١٤٢٥

<<  <  ج: ص:  >  >>