للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[خلود الكفار في النار]

[السُّؤَالُ]

ـ[الذي عليه أهل السنة والجماعة أن النار والجنة لا تفنيان ولكن ما رأيكم بآيات الله تعالى:

أـ آية سورة النبأ: (لابثين فيها أحقابًا) (الآية: ٢٣) . فتقييد لبثهم فيها بالأحقاب يدل على مدة مقدرة يحصرها العدد، لأن ما لا نهاية له لا يقال فيه: هو باق أحقابًا، وقد فهم ذلك من الآية الصحابة - وهم أفهم الأمة لمعاني القرآن - كما سنذكر بعد.

ب ـ آية سورة الأنعام: (قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم) (الآية: ١٢٨) .

جـ ـ آية سورة هود: (خالدين فيها مادامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد) (الآية: ١٠٧) .. وقال بعدها في الجنة وأهلها: (خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ) (الآية: ١٠٨) .

ولولا الأدلة القطعية الدالة على أبدية الجنة ودوامها، لكان حكم الاستثناء ين في الموضعين واحدًا. كيف؟ وفي الآيتين من السياق ما يفرق بين الاستثناء ين فإنه قال تعالى في أهل النار: (إن ربك فعال لما يريد) فعلمنا أنه تعالى يريد أن يفعل فعلاً لم يخبرنا به، الرجاء التفسير والتوضيح؟

وهناك أقوال لصحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

فمن الصحابة: عمر رضي الله عنه قال: \\\"لو لبث أهل النار في النار عدد رمل \\\" عالج \\\" لكان لهم يوم يخرجون فيه\\\".

وابن مسعود رضي الله عنه قال: \\\"ليأتين على جهنم زمان تخفق أبوابها ليس فيها أحد وذلك بعد ما يلبثون فيها أحقابًا\\\".

وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه روي عنه نحوه.

وأبو هريرة قال: \\\"أما الذي أقول: إنه سيأتي على جهنم يوم لا يبقى فيها أحد وقرأ: (فأما الذين شقوا..) الآيتين.

وأبو سعيد الخدري قال في آية: (إلا ما شاء ربك) : \\\"أتت على كل آية في القرآن، أي آية وعيد\\\".

وابن عباس - في رواية عنه - قال في الآية: (إلا ما شاء ربك) : \\\"استثنى الله قال: أمر الله النار أن تأكلهم\\\".

ومن التابعين وأئمة السلف: الشعبي قال: \\\"جهنم أسرع الدارين عمرانا، وأسرعهما خرابًا\\\".

وأبو مجلز قال عن النار: \\\"جزاؤه، فإن شاء الله تجاوز عن عذابه\\\".

وإسحاق بن راهويه - وقد سئل عن آية هود - قال: \\\"أتت هذه الآية على كل وعيد في القرآن\\\".

وابن القيم -رحمة الله قال بأن النار سوف تفنى

وأهم قول قول ابن مسعود: وابن مسعود رضي الله عنه قال: \\\"ليأتين على جهنم زمان تخفق أبوابها ليس فيها أحد وذلك بعد ما يلبثون فيها أحقابًا\\\". ولكن هذا لا يتوافق مع قول الله عز وجل

عن الكفار خالدين فيها أبدا فكيف ذلك؟؟؟؟؟؟

٣:)

(ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلمًا) . (غافر: ٧) .

فهل يعني أنه حتى الكافر تسعه رحمة الله. (ذلك معنى النص)

٤:)

ـ دل العقل والنقل والفطرة على أن الرب تعالى حكيم رحيم: والحكمة والرحمة تأبيان بقاء هذه النفوس في العذاب أبد الآباد، وقد دلت النصوص والاعتبار على أن ما شرعه الله وقدره من العذاب والعقوبات في الدنيا، إنما هو لتهذيب النفوس وتصفيتها من الشر الذي فيها، ولحصول مصلحة الزجر والاتعاظ، وقطع النفوس عن المعاودة - وغير ذلك من الحكم - وفي القرآن والسنة ما يدلنا على أن جنس الآلام إنما هو لمصلحة الإنسان (ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ) (التوبة: ١٢٠) . الخ، (وليمحص الله الذين آمنوا) (آل عمران: ١٤١) .إلخ، ورب الدنيا والآخرة واحد، وحكمته ورحمته موجودة في الدارين، بل رحمته في الآخرة أعظم، فقد ورد في الصحيح: أن رحمته في الدنيا جزء من مائة جزء من رحمته في الآخرة، فإذا كان العذاب في هذه الدار رحمة بأهله ولطفا بهم ومصلحة لهم، فكيف في الدار التي تظهر فيها مائة رحمة، كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض.

وليس لله غرض في العذاب كما قال تعالى: (ما يفعل بعذابكم إن شكرتم وآمنتم) (النساء: ١٤٧) . كما أنه لا يفعله سدى، وإذن فلا بد من حكمة ومصلحة تعود على عباده، وهي إما مصلحة أحبائه وأوليائه بتمام نعيمهم وبهجتهم بما يفعله في أعدائه وأعدائهم، وإما مصلحة الأشقياء ومداواتهم، أو لهذا ولهذا. وعليه، فالتعذيب مقصود لغيره، قصد الوسائل لا قصد الغايات، والمقصود من الوسيلة إذا حصل على الوجه المطلوب زال حكمها. ونعيم أهل الجنة ليس متوقفًا في أصله ولا كماله على استمرار عذاب أهل النار ودوامه، ولو كان أهل الجنة أقسى خلق الله لرقوا لحال أعدائهم بعد طول العذاب. ومصلحة الأشقياء ليست في الدوام واستمرار العذاب، وإن كان في أصل التعذيب مصلحة لهم.

فهذه مسألة عجيبة ومتعبة الرجاء التفسير

والتوضيح بالتفصيل وأن تقولوا رأيكم في الأدلة التي ذكرت ورأيكم في قول ابن مسعود والصحابة]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإنا نشكرك على اتصالك ونسأل الله أن يرزقنا وإياك العلم النافع والتحقيق في أمور الشرع، ونفيدك بأن ما نقلت من الإشكال في هذه المسألة هو نفس ما ذكر كلام أهل العلم فيه ابن القيم رحمه الله في كتاب حادي الأرواح، وفي كتاب شفاء العليل.

والمسألة مبحوثة من قديم الزمان، ومن أحسن من بين التوفيق بين الآيات المتعارضة فيها علامة القرآن الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في كتابه دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب، فقد شفى فيها الغليل عند قول الله تعالى: قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ {الأنعام: ١٢٨} وعند قوله تعالى: لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا.

فراجع كلامه في الموضوع وكلام ابن القيم، وعلينا جميعا أن نصرف من وقتنا وطاقتنا في رد الناس إلى ربهم وهدايتهم حتى يتوب عليهم ويسلمهم من العذاب، فإن هذا أنفع للأمة وأكثر أجرا لنا من إثارة هذه المباحث التي حققت فيما سبق، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: ٣١٣٥٧، ٧٤٨٥، ٤٢٢٨.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٠٨ جمادي الأولى ١٤٢٦

<<  <  ج: ص:  >  >>