للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[التزام المرأة بالشرع يصونها ويحفظ لها كرامتها]

[السُّؤَالُ]

ـ[أنا امرأة متزوجة ولي طفلان، ولكنني منفصلة ـ شرعيا ـ عن زوجي أقصد لا أعاشره في الفراش، لأنه لا يرغب في ذلك، وحينما يحاول التقرب مني أشعر بأنه مرغم على ذلك وحاولت أن أصلح ما بيني وبينه بلا جدوى، وأنا مازلت شابة في الثلاثينات من العمر أسكن في دولة أجنبية وبدأنا فعلا بإجراءات الانفصال الرسمية وكنت أعرف زميلا لي في بلدي يعمل معي في نفس الشركة قبل اللجوء إلى الغربة وحكيت له حكايتي لأنني أعتبره بمثابة أخ وصديق وثقت فيه، ولأنني أعرفه منذ زمن بعيد، فقال لي ما دمت قررت الانفصال ـ وفعلا قمت بإجراءاته ـ أعرض عليك الزواج، فإن وافقتني أصبر لاكتمال انفصالك والعدة ـ مع العلم أنني لم أعاشر زوجي منذ سنتين ونصف أي بعد ولادة ابني الثاني مباشرة ـ فوافقت، لما أعرف عنه من طيب أخلاق، ولأنني محتاجة إلى رجل مسلم معي في غربتي فلا أستطيع العيش وحدي في بلد أجنبي كالذي أنا فيه، فبدأنا بأحاديث طيبة واعتيادية وعبر لي عن مشاعره نحوي، وفي يوم من الأيام عرض علي أن أفتح له كاميرا ليراني عبر النت فوافقت، لأنه أقسم لي أنه يعتبرني زوجته أمام الله وبدأ يطلب مني أشياء، ولكنني لم أمتثل له فبدأ بكل الوسائل والمحاولات وأفهمني أنه يريد أن يطمئن أن جسمي سليما وأنني غير مشوهة، خاصة أنني تعرضت لحادث هنا في الغربة وأن هذا من حقه، لأنه سوف يتزوجني، وفعلا قمت بجعله يرى بعضا من ساقي ويدي التي تعرضت للحادث وأيضا شعري، ولكن بدأ يطلب أكثر فلم أمتثل له ورفضت وأخبرته أنني أخاف الله، فقال إنني أشهد الله أنك زوجتي فقلت له إنني أصدقك، ولكنني لا أستطيع أن أغضب الله، وحاول مرة أخرى فرفضت إلى أن ابتعد وبدأ يتملص مني، وكلما حاولت الاتصال به يرفض المكالمة، علما أنني أتصل من مكان بعيد جدا عن البلد الذي يقيم هو فيه ـ بلدي ـ فإما أن أريه جسدي أو يهجرني للأبد، فعلمت أنني كنت ضحية له فدعوت الله أن لا يرى خيرا في حياته أبدا، لأنه خدعني ورأى أجزاء من جسمي بحجة أنني زوجته وأقسم بالله أنه لن يتركني وبعد ذلك ذهب ليخطب أخرى، ولكنهم رفضوه وكلما يتجه ليخطب امرأة يرفضونه، والآن جاءني يرجوني أن أقف معه وأساعده وأستمع لشكواه وأن أقف معه كأخت وصديقة، ولكنني لا أريد أن تكون لي به أي علاقة من أي نوع، وسؤالي هو: هل سيغفر الله لي، لأنني أستغفره ليلا ونهارا ولم أرتكب خطيئة يوما وملتزمة بصلاتي وصومي ويأتي هذا الرجل ليزلني هكذا، إنني أتعذب كل يوم آلاف المرات، لأنني أحب الله وأتقرب منه دائما ولكنني صدقت هذا الرجل الماكر وجعلته يرى أجزاء من جسمي، فهل سيغفر الله لي؟ لقد تبت إليه توبة خالصة وهل سيعفو الله عن مثل هؤلاء الرجال الذين هم أشباه الرجال ولا يملكون غيرة الرجل أو نخوته ويقومون بخداع النساء بحجة الحب ويقسمون بالله أنهم أمناء والحقيقة أنهم غير ذلك.

فحسبي الله ونعم الوكيل.]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد وضع الشرع حدوداً للعلاقة بين الرجل والمرأة الأجنبية، تضمن طهارة المجتمع وصيانة الأعراض وتحفظ كرامة المرأة وتنأى بها أن تكون وسيلة للعبث والتسلية، فلا يقرّ الشرع علاقة زمالة أو صداقة بين رجل وامرأة أجنبية عنه، لما يجرّه ذلك من الفتن وينطوي عليه من المفاسد والشرور.

وما كان بينك وبين هذا الرجل هو أثر لتفريطك وتهاونك في تلك الحدود واتباعك لخطوات الشيطان متعللة بأنّك في طريقك للطلاق ناسية أنّك لا زلت في عصمة زوج، وقد اتفق العلماء على حرمة التعريض بخطبة المطلقة الرجعية، فكيف بالتصريح بخطبة المرأة المتزوجة التي لم تطلق؟ لا شكّ أنّ ما قام به هذا الرجل من وعدك بالزواج وانتهاك حرمتك منكر شنيع وهو تخبيب لك على زوجك، وهو من الكبائر، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس منا من خبّب امرأة على زوجها أو عبداً على سيده. رواه أبو داود وصححه الألباني.

بل ذهب بعض العلماء إلى عدم صحة زواج المرأة ممن خبّبها على زوجها، معاقبة له بنقيض قصده، وانظري الفتوى رقم: ١١٨١٠٠.

فالواجب عليك قطع كل علاقة بهذا الرجل والمبادرة بالتوبة، واعلمي أنّه مهما عظم ذنب العبد وكثرت ذنوبه ثمّ تاب توبة صادقة فإن الله يقبل توبته، قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:٥٣} .

بل إنّ الله تعالى يحبّ التوابين ويفرح بتوبتهم ويبدل سيئاتهم حسنات، والتوبة النصوح تمحو ما قبلها، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ. رواه ابن ماجة، وحسنه الألباني.

والتوبة تكون بالإقلاع عن الذنب والندم على فعله والعزم على عدم العود له.

وننصحك ببذل وسعك لإصلاح حالك مع زوجك فذاك خير من الفراق.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

١٥ ذو القعدة ١٤٣٠

<<  <  ج: ص:  >  >>