للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[قد لا يعاجل الله العاصي بالعقوبة في الدنيا استدراجا له]

[السُّؤَالُ]

ـ[هل أن الله سبحانه وتعالى قد لا يعاقب الإنسان الذي ارتكب إثما عظيما جداً ومن الخطايا الكبيرة بل على العكس قد يعطيه ما يتمناه ويسعده، فأنا في حيرة من أمري لقد ارتكبت معصية كبيرة جداً ولا أعلم إن كان ربي سيسامحني عليها؟ وأنا الآن أعاني من عقوبة ربانية لا أتمناها لعدو ولا لصديق فقد أخذني الله أخذ عزيز مقتدر وحالي كمن يركض بين الناس وهو مشتعل الجسد وروحه لائبة ولا يجد من يطفئه فقط ينادي ربه ويستسمحه بالغفران والصفح، لقد وصلت إلى الحضيض وعشعشت الأمراض في بدني أكاد لا أصحو منها، وضعف جسدي وبشرتي أصبحت صفراء بعد بياضها ولا أبالغ والله شاهد علي أنني في ٢٣ من عمري وغزا الشيب شعري لشدة ما أعاني من الآم وتأنيب ضمير، ووساوس وهموم وخوف وقلق وغضب، وندم وحسرة على ما فعلته وعلى حالي الذي أنا فيه. فإلى متى ستستمر حالتي هذه؟ لا علم لي. فهل لها نهاية؟ ومتى أخاف أن تفلت زمام الأمور من يدي واقترف ما لم أحمد عقباه. أرجع لسؤالي أن من ارتكب خطيئتي ذاتها بعينها أعطاه الله ما تمناه وزاد في صحته وهو الآن ينعم براحة ما بعدها راحة. لماذا! وعندما أحدثه يقول إنه يستغفر الله كثيراً ويرجو أن لا يعاقبه، مع العلم أنه لم يعرف الله إلا بعد أن أعطاه ما تمنى وأنا تقتلني الغيرة والحسد منه، وزادني ألما فوق ألمي كأنه جزء من عقوبتي وعندما يرى حالي يقول لماذا أنا منهكة نفسي وتفكيري بالقلق من عقوبة الله بل إن هناك أدعية للاستغفار فلأقرأها وينتهي الأمر ولا أوذي نفسي هكذا، للعلم فإنه من مذهب غير مذهب أهل السنة والجماعة ويقول بأني إذا اتبعت مذهبهم أو على الأقل طلبت من أهل البيت فإنهم لن يخذلوني، وأنا الآن حائرة في أمري لأن راحته مقابل المأساة التي أعيشها مغرية، ومستعدة أن أفعل أي شيء يريحني من عذاباتي هذه. أعتذر عن الإطالة وأرجو منكم الجواب الوافي؟ وحفظكم الله من كل مكروه وسوء.]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالدنيا دار عمل لا دار جزاء، والآخرة هي دار الحساب والجزاء، والله تعالى حليم قد لا يعاجل العاصي بالعقوبة، بل قد يفتح عليه الدنيا استدراجاً، قال تعالى: فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ. {الأنعام:٤٤} . وقد يعجل الله للعاصي شيئاً من العقوبة ليرجع إلى ربه ويتوب من معصيته، والسعيد من يبادر بالتوبة ويرجع إلى ربه. واعلمي أنه مهما عظم ذنب العبد وكثرت ذنوبه ثم تاب توبة صادقة فإن الله يقبل توبته، قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. {الزمر:٥٣} . بل إن الله تعالى يحب التوابين ويفرح بتوبتهم ويبدل سيئاتهم حسنات، والتوبة النصوح تمحو ما قبلها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه وحسنه الألباني.

والتوبة تكون بالإقلاع عن الذنب والندم على فعله، والعزم على عدم العود له، فبادري بالتوبة النصوح وأقبلي على ربك وأبشري خيراً، ولا تدعي للشيطان مجالاً ليخذلك ويوهن عزيمتك ويلقي اليأس في قلبك فالمؤمن لا ييأس أبداً، قال تعالى: ... إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلَاّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ. {يوسف:٨٧} . فما تذكرينه عن حالك وقنوطك أمر يتنافى مع ما تقرر في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من سعة رحمه الله التي وسعت كل شيء أفلا تسعك، فأقبلي على الله بصدق فإن الله لا يرد من أتاه نادماً طائعاً. واحرصي على مصاحبة الصالحات من أهل السنة اللاتي يذكرنك بالله ويكن عوناً لك على الطاعة، واحذري كل الحذر من مصاحبة أهل البدع المنحرفات اللاتي إنما يردن إزاغتك عن طريق الحق ويزين لك طريق الباطل، ويحملنك على التعلق بغير الله والتماس الهدي في غير طريق النبي صلى الله عليه وسلم، ويحاولن أن يقتنصن مرحلة الضعف التي تمرين بها لإضلالك، واعلمي أنه لا نجاة للعبد إلا بالالتجاء إلى الله وحده والاعتصام بما كان عليه النبي صلى الله وسلم وصحابته الكرام.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٢٣ شوال ١٤٣٠

<<  <  ج: ص:  >  >>