للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[الحب لغير الله من أسباب فقد لذة الطاعة وحلاوة الإيمان]

[السُّؤَالُ]

ـ[المشكلة هي فساد قلبي، فأنا لا أجد أي لذة في العبادات، ولا أجد أي رغبة في تعلم القرآن والعلم الشرعي، مع أنني حريص عليه جدا، والمشكلة انعدام الرغبة، وسأحكي لكم ما أحس بأنه السبب في ما يحدث لي: فأنا أحب أحد لاعبي كرة القدم حبا شديدا لا يوصف وهو الدافع الأكبر لي لمشاهدة الفريق الذي أشجعه من أجله وأبحث عن أخباره دائما وأنتظر لقاءاته التليفزيونية وأفكر فيه كثيرا، ولكني ـ والحمد لله ـ لا أحبه حبا جنسيا ولكني معجب به جدا وأتحسر ألما عندما يصاب، فهل هذا الحب محرم؟ وهل هذا عشق؟ مع أنني قرأت للإمام ابن القيم أن من شروط العشق تفضيل حقوق المعشوق على حقوق الله، ولكني عندما أشاهده في مباراة ويؤذن للصلاة أذهب للصلاة في المسجد جماعة وأترك مشاهدته، ولذا فأنا فضلت حقوق الله عليه، وأحيط سيادتكم علما بأنني غير راض عن هذا الحب وأتمنى أن أكرهه وأدعو الله بأن ينزع حبه من قلبي، فهل هذا يفسد القلب؟ وأنا أعلم أن القلب لا يمتلىء إلا بحب واحد فقط هوحب الله، فهل هذا يؤثر على حبي لله؟ علما أيضا بأنني أعشق امرأة رغما عن أنفي وأجاهد نفسي أن أنزع حبها من قلبي ولكني لا أستطيع، وأرجوكم أن تدعو لي بشفاء القلب.]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله لك العافية والشفاء، وأن يصرف عنك ظاهر الإثم وباطنه، ويقيك شر نفسك والشيطان.

واعلم أيها السائل أن من أفسد الأشياء للقلب تعلقه بغير الله سبحانه ـ سواء بحب الدنيا وجمع المال أو بحب الأشخاص وعشق الصور ونحو ذلك ـ وما ذكرته من حبك لهذه المرأة حبا شديدا أوصلك إلى عشقها، لا شك أنه خطر عظيم، وقد بينا خطر العشق وأثره في إفساد الدين وتضييع مصالح الدنيا والآخرة، وسبل علاجه في الفتاوى التالية أرقامها: ١١٧٦٣٢، ٩٣٦٠، ٢٧٦٢٦.

وأما حبك لهذا اللاعب بهذه الطريقة فلا شك أنه مذموم، ويكفي في بيان ذم هذا الحب بغضك له وارتيابك فيه ورغبتك في التخلص منه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لوابصة بن معبد: يا وابصة استفت قلبك، والبر ما اطمأنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في القلب، وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك.

وما نقلت عن ابن القيم من أنه جعل علامة العشق تقديم حق المعشوق على حق الله نقل في غير محله، فإن ابن القيم إنما يتحدث في هذا عن العشق الذي بلغ غايته وتجاوز مداه وقارب أن يصل بصاحبه إلى حد الشرك والعياذ بالله، وأما ما دون ذلك فقد يقع العشق في قلب إنسان ولا يمنعه ذلك من تقديم بعض حقوق الله على حق معشوقه، وهذا في الظاهر. أما في الباطن، فإنه يكون مشتغلا بالعبادة بجوارحه فقط أما قلبه فإنه يكون غالبا مع معشوقه ومحبوبه.

فالواجب عليك ـ رحمك الله ـ أن تجتهد في التخلص من هذه الآفات، فإن تخلصت منها فستفتح لك ـ إن شاء الله ـ أبواب الذكر والطاعة والإقبال على الله جل وعلا، ونذكرك بأن المبالغة في الحب مذمومة على كل حال حتى ولو كان الحب مشروعا، فقد روى أبو داود وغيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أحبب حبيبك هونا ما، عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما، عسى أن يكون حبيبك يوما ما. صححه الألباني. كما نذكرك أن الواجب على المؤمن أن يجعل حبه لله وفي الله، فيحب أهل الإيمان والذكر والطاعة لا أن يبذل حبه ووده لأهل اللهو واللعب والخوض.

وراجع فضل الحب في الله وعلاماته في الفتاوى التالية أرقامها: ٦٤٣١٥، ٥٢٤٣٣، ٢١٨٨١. وراجع ضوابط مشاهدة مباريات كرة القدم في الفتوى رقم: ٤٥٣.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

١٣ رمضان ١٤٣٠

<<  <  ج: ص:  >  >>