للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[المعاصي من أعظم أسباب تنكيد العيش وتعسير الأمور]

[السُّؤَالُ]

ـ[سؤالي طويل ولكنني أختصره في عدة أسطر، أنا فتاة عمري٣٥ سنة غير متزوجة، لا ينقصني شيء، بدأت التزم وأتدين والحمد لله، ولا أضع المكياج، ولا ألبس ملابس ملفتة، ولا أحضر حفلات مختلطة، ولكن الكل يقول لي إن لم تضعي المكياج وتحضري حفلات مختلطة وتلبسي ملابس ملفتة لن تتزوجي، وأنا الآن كبيرة، ولست صغيرة، كما أن والدي منفصلان من ٥ سنوات، ونحن نعيش مع والدتنا، ولذلك لا يتقدم أحد لخطبتنا، ونصحتني إحدى النساء أن أتعرف على شخص غير عربي، ولكنه مسلم عبر الانترنت، وأتزوجه لأنني إن لم أفعل لن أتزوج، لأن أهل البلاد عندنا لا يتزوجون من كان والدها ووالدتها منفصلين. فما هي نصيحتكم؟ أنا في حيرة من أمري. هل اعمل كما يقولون؟ أم أبقى ملتزمة ثابتة؟ وما هو الصواب فقد اختلطت عندي الأمور.

جزاكم الله كل خير.]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالتبرج والسفور والتعرف على الرجال الأجانب سواء بقصد الزواج أو غيره كل ذلك من المحرمات التي تجلب سخط الله وغضبه كما بيناه في الفتاوى التالية: ١١٥٨٧٣، ١١٩٢٣٦، ٢٥٥٣٥.

فاتقي الله أيتها السائلة، واعلمي أن من أصول الاعتقاد ومحكمات الدين اليقين الجازم بأن الأمور كلها بيد الله، وأنه سبحانه وحده هو الذي يقبض ويبسط ويعطي ويمنع، وإليه ترجع الأمور.

فإذا ثبت هذا في قلب العبد فكيف يطلب رزق الله من زواج أو غيره بمعصيته ومخالفة شرعه، وهل يمكن لعاقل أن يقبل هذا فضلا عن أن يدعو غيره إليه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله، فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته. صححه الألباني.

فكوني أيتها السائلة على يقين من أمرك، واطرحي عنك الشك والارتياب، فإن المعاصي لا تجلب رزقا ولا تيسر أمرا، بل هي أعظم أسباب تأخير الرزق وتنكيد العيش وتعسير الأمور، جاء في المسند وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه. حتى وإن أنعم الله سبحانه على العاصي ببعض النعم استدراجا له فإنها لا تأتيه إلا منغصة منزوعة البركة بسبب ذنوبه ومخالفاته، يقول ابن القيم في كتابه الجواب الكافي: ومن عقوباتها (المعاصي) أنها تمحق بركة العمر وبركة الرزق وبركة العلم وبركة العمل وبركة الطاعة، وبالجملة أنها تمحق بركة الدين والدنيا فلا تجد أقل بركة في عمره ودينه ودنياه ممن عصى الله وما محيت البركة من الأرض إلا بمعاصي الخلق قال الله تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ {الأعراف: ٩٦} وقال تعالى وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ {الجن: ١٦-١٧} وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه وفي الحديث: إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، فإنه لا ينال ما عند الله إلا بطاعته، وإن الله جعل الروح والفرح في الرضاء واليقين، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط. انتهى.

فأعرضي وفقك الله عن هؤلاء الغاوين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا، فما أشد غبنهم وأعظم خسارتهم حين صاروا من دعاة الشيطان يبيعون دينهم بدنيا غيرهم.

هذا، مع التنبيه على أنه يجوز للمرأة أن تعرض نفسها على رجل صالح ليتزوجها فهذا لا حرج فيه، كما بيناه في الفتوى رقم: ٧٦٨٢، ولكن بشرط الالتزام بالضوابط المذكورة في الفتويين رقم: ٢١٤٨٩، ١٩١٩٦.

وراجعي للفائدة الفتوى رقم: ١٩٨٣٩.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

١١ رجب ١٤٣٠

<<  <  ج: ص:  >  >>